رئيس التحرير
عصام كامل

شباب حول الرسول، أبو سعيد الخدري "فقيه الصحابة وأستاذ التابعين"

 أبو سعيد الخدري
أبو سعيد الخدري "فقيه الصحابة وأستاذ التابعين"، فيتو

 منذ فجر الإسلام، أحاط بـرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، نخبةٌ من المسلمين الأوائل، في الوقت الذي آمن فيه فتيةٌ صغارُ السن بالله؛ حبًّا في النبي، وجهروا بالإسلام في شجاعة نادرة، رغم ما كان يكتنفُ البيئة المحيطة من تقديسٍ للأصنام، والأوثان، وإدمانٍ للأدران، وصمدوا بقوةٍ أمام ضغوطِ الآباءِ والأمهاتِ وعتاةِ المشركين.


تربَّوا في مدرسةِ الرسولِ، صلَّى الله عليه وآله وسلم، وحرصوا على مراقبة تصرفاته، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.


كانوا أصحابَ فكرٍ سديدٍ، فأعلنوا اتباعهم للنبي، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.
إنهم "شبابٌ حولَ الرسول".

 

أبو سعيد الخدري أحد أصغر من آمنوا برسول الله، صلى الله عليه وسلم، وذاق مرارة اليتم مبكرا، وصبر على ضيق الحال؛ تنفيذا لوصية النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وتفقه في الدين حتى صار فقيها بارزا بين الصحابة، وأستاذا لكبار التابعين، وخاض تجربة مريرة في وقعة الحرة، رضي الله عنه.

هو سَعْدُ بن مالك بن سِنَان الأَنصاري الخُدْرِيّ من الخزرج، وكنيته أَبو سعيد.

والد أبي سعيد الخدريّ هو الصحابيّ الجليل مالك بن سِنان، قتل يوم أُحُد شهيدًا.
أمّا والدته فهي أنيسة بنت أبي حارثة، ويعود نسبها إلى بني النجّار، وكانت فيمَن بايع النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم.

جهاده

وكان ممّن شَهِد وقعة الخندق، وإحدى عشر غزوة مع رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، وبيعة الرضوان.
من صفات أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أنّه لم يكن يخضبُ؛ أي أنّ لحيته كانت بيضاء، ورُوِي أيضًا عن حفيده رُبَيح عن أبيه عبد الرحمن أنّ أبا سعيد الخدريّ كان عَبْلَ العِظام؛ أي ضخمًا عريض الذراعَين.


وروي أنه قال عُرِضتُ يومَ أُحدٍ على النبي، صَلَّى الله عليه وسلم، وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، فجعل أبي يأخذ بيدي فيقول يا رسول الله إنه عَبْلُ العظام (ضخم) وإنْ كَانَ مُودَنًا (قصير العنق)، قال: وجعل النبي، صَلَّى الله عليه وسلم، يُصَعِّدُ فيَّ ويُصَوِّب (يتفحصني)، ثم قال: "رُدّهُ" فردّه. 


وقال أَبو سعيد: قُتل أَبي يوم أَحد شهيدًا، وتركنا بغير مال، فأَتيت رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، أَسأَله شيئًا، فحين رآني قال: "مَنِ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ أْعَفَّهُ اللَّهُ"، قلت: ما يريد غيري، فرجعت. 


وروي عن أبي سعيد الخُدْرِيّ، قال: خرجتُ مع رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، في غزوة بَني الْمُصْطَلِق، ابن خمسَ عشرة سنة، وشهد الخندق، وما بعد ذلك من المشاهد، وكان أبو سعيد من الحُفاظ المكثرين العلماء الفضلاء العقلاء.
وَروي عن سهل بن سعد أنه قال: بايعتُ النبيَّ، صَلَّى الله عليه وسلم، أنا وأبو ذَرّ، وعبادة بن الصّامت، ومحمد بن مسلمة، وأبو سعيد الخُدْري، وسادس على ألا تأخذنا في الله لومةُ لائم، فاستقال السادس (تراجع عن البيعة)؛ فأقاله (قَبِل الرسول إعفاءه من البيعة).

كان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، من أفاضل الأنصار، لازم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وحَفظ عنه الكثير من الأحاديث، وروى عنه من الصحابة: جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس.

 وورد المدائن في حياة حذيفة بن اليمان، وبعد ذلك مع علي بن أبي طالب لما حارب الخوارج بالنهروان.
وروى أبي سعيد: "لاَ يمْنَعَنَ أحَدَكُمْ مخافَةُ النَّاسِ أنّ يَتكَلَّمَ بِالْحَقِّ إذَا رَآهُ أوْ عَلِمَهُ"؛ فحملني ذلك على أن ركبت إلى معاوية؛ فملأت أذنيه ثم رجعت.

رواية الأحاديث عن الرسول

ورَوى أبو سعيد عن النبي، صَلَّى الله عليه وسلم،  ألفا ومائة وسبعين حديثًًا.
وروى عن أبي نضرةَ قال: قلنا لأبي سعيد الخدري: ألا نكتب ما نسمع منك؟ قال: تريدون أن تَجعلوها مَصَاحِفَ! احفظوا مِنّا كَمَا حفظنا. 


كانت له واقعة تكشف عن شجاعته، فوقت أن كان مروان بن الحكم واليا على المدينة من قبل معاوية، اعترض سعيد عليه لأنه جعل خطبة العيد قبل الصلاة، لجبر المصلين على الاستماع إليها.. وفي التفاصيل، أنه "أَوَّلُ مَن بَدَأَ بالخُطْبَةِ يَومَ العِيدِ قَبْلَ الصَّلاةِ مَرْوانُ. فَقامَ إلَيْهِ رَجُلٌ، فقالَ: الصَّلاةُ قَبْلَ الخُطْبَةِ، فقالَ: قدْ تُرِكَ ما هُنالِكَ، فقالَ أبو سَعِيدٍ: أمَّا هذا فقَدْ قَضَى ما عليه سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، يقولُ: مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ".


وقال غَيْلاَن بن شُمَيْخ الغَيلاَنِيّ: أتيتُ المدينة، فانطلقت إلى أبي سعيد الخُدْرِيّ، فدخلت عليه فإذا شيخٌ كبيرٌ يُصلِّي حين زالت الشمس معتمدًا على جَرِيدَةٍ إذا قام اعتمد عليها، وإذا ركع أسندها إلى القبلة، فإذا أراد أن يسجد اعتمد عليها من الكِبَر، وإذا سجد جَافَى مِرْفَقَيْه عن جَنْبَيْهِ حتى أرى بياضَ إبطَيْهِ.

صبره على الفقر

وحدّث أبو سعيد: أنه أصبح ذات يوم وليس عندهم طعام، وقد ربط حَجَرًا من الجوع على بطنه، قال: فقالت لي امرأتي: ائْتِ النبي، صَلَّى الله عليه وسلم، فَسَلْهُ فقد أتاه فلان فأعطاه وأتاه فلان، فقلت: لا، حتى لا أجد شيئا، فطلبت فلم أجد شيئًا، فأتيت النبيَّ، صَلَّى الله عليه وسلم، وهو يخطب، فأدركت من قوله: "من يستغنِ يُغنِهُ الله، ومَنْ يَسْتَعْفِف يُعِفُّهُ الله، ومَن يسألنا إِمّا أَنْ نَبذُلَ له أو نُوَاسِيه، ومن استغنى عنّا أحبُّ إلينا ممّن سألنا"، وفي رواية: "... واليدُ العليا خيرٌ من اليد السُّفْلَى، ولا يفتح أحدٌ بابَ مسألةٍ إلا فتح الله عليهِ باب فَقْرٍ".


قال: فما سألتُ أحدًا بعدهُ، وما زال الله يرزقنا حتى ما أعلم أهل بيتٍ من الأنصار أكثر أَموالًا مِنَّا. 

 

اقرأ أيضا: شباب حول الرسول، البراء بن معرور "أول من بايع وأول من صلى نحو الكعبة"


ذكر أحد تلاميذه، وهو أبو نضرة، أسلوبَه المُتألِّق في تعليم القرآن الكريم؛ فقد كان يُعلّم تلاميذه خمس آياتٍ في أوّل النهار، وخمس آياتٍ بالعَشيّ، تخفيفا عليهم، وتحبيبا لهم في القرآن الكريم.

فقيه الصحابة وأستاذ التابعين

عُرِف عن أبي سعيد، رضي الله عنه، بزوغه (تفوقه) في جانب الفقه، حتى أنّ مُترجِميه وصفوه بذلك الوصف قائلين بفقهه الواسع من عِدّة جوانبٍ، كالإفتاء، وهذا الجانب في شخصيّته العلميّة المُتميّزة طغى على أكثر جوانب شخصيّته العلميّة، فقد تميّز بفقهه، وعظيم منزلته في العلم عامّةً، وفي الفقه خاصّةً.


أخذ العلم عن النبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، وعن كِبار الصحابة، رضي الله عنهم، وتتلمذ على يدَيه الأئمّة العُظماء من كبار التابعين، كابن جُبير، والحسن البصريّ، والمُسيِّب، وغيرهم، ممّا يُؤكّد عنايته بالقرآن الكريم.

في أزمة وقعة "الحرة"

قال أَبِو سعيد الخُدْرِيّ: لزمت بَيْتِي ليالي الحَرَّةَ فلم أخرج، فدخل عَلَيَّ نَفَرٌ من أهل الشام فقالوا: أيها الشيخ! أَخْرِجْ ما عندك، فقلتُ: والله ما عندي مالٌ، قال: فَنَتَفُوا لِحْيَتِي وضَرَبُوني ضَرباتٍ ثم عمدوا إلى بيتي فجعلوا يَنْقلُون مَا خَفّ لهم مِنَ المَتَاع حتى إنهم يَعْمدون إلى الوِسَادة والفراش فينفضون صُوفَهُما ويأخذون الظَّرْفَ، حتى لقد رأيتُ بَعْضَهم أخذ زَوْجَ حمامٍ كان في البيت ثم خرجوا به. 

وفاته

ولما مرض، رضي الله عنه، مرض الموت دَعَا نَفَرًا من أصحاب رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، فيهم: ابن عباسِ، وابن عمر، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، فقال: لاَ يَغْلِبَنّكُم ولدُ أَبِي سعيد (ابنه عبد الرحمن)، إذا أنا مُتُّ، فكَفِّنُونِي في ثيابي التي كنت أُصَلّيَ فيها وأَذْكُر الله فيها، وفي البيت قُبْطِيَّة (ثياب بيضاء) فكَفِّنُونِي فيها، وأجمروا عَلَيّ بأوقية مجْمَر (بخور)، ولا تضربوا على قبري فُسْطَاطًا (بيتا)، واجعلوا في سريري قَطِيفَة أرجوان (حمراء)، ولا تتبعوني بنارٍ، وإذا أخرجتموني فلا تتبعني باكيةٌ، قال: ففعلوا ما أمرهم به. وتوفي أبو سعيد في المدينة يوم جمعة، سنة أَربع وسبعين، وقيل إنّه تُوفِّي بعد حادثة الحَرّة بسَنةٍ.


ودفن، حسب وصيته، في مكانٍ يقع أقصى البقيع.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية