رئيس التحرير
عصام كامل

شباب حول الرسول، عَبْدُ اللّهِ بنُ حَنْظَلَة الأنصاري، "أبوه غسَّلته الملائكة"

عَبْدُ اللّهِ بنُ
عَبْدُ اللّهِ بنُ حَنْظَلَة، "أبوه غسَّلته الملائكة، فيتو

 منذ فجر الإسلام، أحاط بـ رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، نخبةٌ من المسلمين الأوائل، في الوقت الذي آمن فيه فتيةٌ صغارُ السن بالله؛ حبًّا في النبي، وجهروا بالإسلام في شجاعة نادرة، رغم ما كان يكتنفُ البيئة المحيطة من تقديسٍ للأصنام، والأوثان، وإدمانٍ للأدران، وصمدوا بقوةٍ أمام ضغوطِ الآباءِ والأمهاتِ وعتاةِ المشركين.
تربَّوا في مدرسةِ الرسولِ، صلَّى الله عليه وآله وسلم، وحرصوا على مراقبة تصرفاته، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.
كانوا أصحابَ فكرٍ سديدٍ، فأعلنوا اتباعهم للنبي، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.

 

إنهم "شبابٌ حولَ الرسول".

 بطل قصتنا اليوم أحد صغار الصحابة سنًّا، الكبار إنجازا وأثرا، عاش فترة قصيرة مع رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، لكنه روى الحديث، وحارب الأمويين؛ لما رأى من مخالفته للشرع، ومات شهيدا، رضي الله عنه.
هو عَبْدُ اللّهِ بنُ حَنْظَلَة بن أَبي عَامِر الرَّاهِب الأَنصاري الأَوْسِي، وأَبوه حَنْظَلَةُ هو غَسِيلُ المَلاَئِكة.
وهو أحد رواة الحديث النبوي، فقد رأى النبي يطوف بالبيت على ناقة، وأيضا كان زعيم أنصار المدينة المنورة أثناء ثورة المدينة ضد يزيد في 682-683.

 

مولده 

وُلِدَ على عهد رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، لأَن أَباه قتل بأَحد، ولما انتقل رسول الله، صَلَّى الله عليه وآله وسلم، إلى مولاه، كان لعبد اللّه سبعُ سنين.
أمّه جميلة بنت عبد الله بن أُبَيّ بن سَلول من بَلْحُبْلى.
أُمه جميلة بنت عبد الله بن أَبَيّ بن سَلُول، فدخل بها الليلة التي في صبيحتها قِتالُ أَحد، فبات عندها، فلما صلى الصبح عاد إِليها، فأَرسلت إِلى أَربعة من قومها فأَشهدتهم عليه أَنه دخل بها، فقيل لها بعدُ: لم فعلت هذا؟ (أي لمَ تُشهديننا؟)، قالت: رأَيت كـأَن السماءَ انفرجت فدخل فيها ثم أَطبقت، فقلت: هذه الشهادة. فأَشهدت عليه، وعَلِقْتُ (حملت) بعبد اللّه تلك الليلة، وكان ذلك في شوال على رأس اثنين وثلاثين شهرًا من الهجرة. 
وقُتل حنظلة بن أبي عامر يومئذٍ شهيدًا فغسّلته الملائكة فيقال لولده بنو غسيل الملائكة. وولدت جميلة عبد الله بن حنظلة بعد ذلك بتسعة أشهر.

 

كرامة لعبد الله بن حنظلة

رَوَى عن النبي صَلَّى الله عليه وسلم ورآه. عن صفوان بن سليم، قال: يحدث أهل المدينة أَن عبد الله بن حنظلة لقيه الشيطان وهو خارجٌ من المسجد، فقال: تعرفني يا ابن حنظلة؟ قال: نعم، أنت الشّيطان. قال: كيف علمتَ ذلك؟ قال: خرجت وأنا أذكر الله، فلما رأيتك تلهث شغلني النظر إليك عن ذِكْر الله.

وكان فاضلًا صالحًا، عظيم الشأْن كبير المَحَلّ، شريف البيت والنسب. سمع قارئًا يقرأَ: "لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ"، فبكى حتى ظنوا أَن نفسه ستخرج، ثم قام فقيل: يا أَبا عبد الرحمن، اقعد. فقال: منع مني ذِكْرُ جَهَنَّمَ القعودَ، ولا أَدري لعلي أَحدهم. 
وقال مولاه سعيد: لم يكن لعبد اللّه بن حنظلة فِراشٌ ينام عليه، إِنما كان يلقي نفسه إِذا أَعيا من الصلاة، يتوسد رداءَه وذراعه، ويهجع شيئًا. 
كان عبد الله بن حنظلة يتوضَّأ لكلّ صلاة.
قال أبو عمر رحمه الله‏: كان خيِّرًا فاضلًا مقدَّمًا في الأنصار.

عن عبد اللّه بن الغسيل قال: كنت مع رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم، فَمَرّ بالعبّاس فقال: يا عم، اتبعني ببَنيك. فانطلق بستة من بنيه: الفضل، وعبد اللّه، وعبيد اللّه، وقُثَم، ومعبد، وعبد الرحمن، فأَدخلهم النبي صَلَّى الله عليه وسلم بيتًا، وغطاهم بشملة سوداءَ مخططة بحُمْرة، فقال: "الْلَّهُمَّ إِنَّ هَؤُلاَءِ أَهْلَ بَيْتِي وَعِتْرَتِي، فَاسْتُرْهُمْ مِنَ الْنَّارِ كَمَا سَتَرْتُهُمْ بِهَذِهِ الْشَّمْلَةِ". فما بقي في البيت مَدَرَة ولا باب إِلا أَمَّن".

عن عبد الله بن حنظلة قال‏‏: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم‏‏: ‏"دِرْهَمُ رِبَا أَشَدُّ عِنْدَ اللهِ مِنْ ثَلاَثٍ وَثَلاَثِينَ زَنْيَةً‏"‏‏.
روى عبد اللّه بن حنظلة: إِن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الْرَّجُلَ أَحَقَّ بِصَدْرِ دَابّتِهِ، وَصَدْرِ فِرَاشِهِ، وَأَنْ يَؤمَّ فِي رَحْلِهِ".

 

عداؤه ليزيد بن معاوية

رفض عبد الله بن حنظلة مبدأ توريث الحكم، ولكنه لم يخرج على الحاكم إلا بعد أن ارتكب يزيد خطيئته الكبرى بقتل الإمام الحسين بن علي، رضي الله عنهما، وغالبية آل بيته في كربلاء.
بعدها توجه عبدَ الله بن حنظلة إلى يزيد بن معاوية، ومعه ثمانيةُ بنين له، فأعطاه مائة ألف، وأعطى بنيه كلّ واحد عشرة آلاف؛ فلما عاد إلى المدينة أتاه الناس فقالوا: ما وراءك؟ قال: أتيتُكم مِنْ عند رجل واللهِ لو لم أجد إلا بنيّ هؤلاء لجاهدتُه بهم. 
فلما عرف الناس عيوب يزيد، أخرجوا بني أميّة عن المدينة وبايعوا لعبد اللّه بن الزبير.
فأَرسل يزيد إِليهم مُسْلِمَ بن عُقْبَة المُرِّي، في جيش من 12 ألف.. وهو الذي سماه الناس بعد وقعة الحرة مُجْرِمًا.
فكلمه عبد الله بن جعفر في أهل المدينة، فقال: دعني أشتفي، لكني آمر مسلم بن عقبة (سماه الناس مسرف لإسرافه في العنف والقتل) أن يتخذ المدينة طريقه إلى مكة فإن هم لم يحاربوه وتركوه فيمضي لحرب ابن الزبير، وإن حاربوه قاتلهم، فإن نصر قتل ونهب المدينة ثلاثا ثم يمضي إلى ابن الزبير، قائل: "ادعهم يا مسلم ثلاثا وامض إلى المُلْحِد ابن الزبير واستوص بعلي بن الحسين خيرا".
واتفق أهل المدينة على أن يكون عبد الله بن حنظلة قائدهم، فأسندوا أمرهم إليه، فبايعهم على الموت، وقال: يا قوم! اتّقوا الله وحده لا شريك له، فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خِفْنا أن نُرْمى بالحجارة من السماء، إنّ رجلا ينكح الأمّهات والبنات والأخوات ويشرب الخمر، ويدع الصلاة، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليتُ لله فيه بلاءً حسنًا. 
فتواثب النّاس يومئذٍ يبايعون من كلّ النواحي، وما كان لعبد الله بن حنظلة تلك الليالي مبيتٌ إلّا المسجد، وما كان يزيد على شَرْبَة من سَويق يُفْطِر عليها إلى مثلها من الغد، يؤتَى بها في المسجد، يصوم الدهر، وما رُئيَ رافعًا إلى السماء إخباتًا. 
فلمّا دنا أهل الشأم من وادي القُرى صلى عبد الله بن حنظلة بالناس الظهر، ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس إنّما خرجتم غضبًا لدينكم فابلوا لله بلاءً حسنًا، ليوجب لكم به مغفرته ويُحِلّ به عليكم رضوانه. قد خبّرني من نزل مع القوم السّوَيداء وقد نزل القوم اليوم ذا خُشُب ومعهم مَرْوان بن الحَكم، واللهُ إن شاء الله محيِّنُه بنَقْضِه العهد والميثاق عند منبر رسول الله، صَلَّى الله عليه وسلم.
فتصايح الناس وجعلوا ينالون من مروان، ويقولون: الوَزَغ بن الوَزَغ (البُرص)، وجعل ابن حنظلة يهدّئهم، ويقول: إنّ الشتم ليس بشيء ولكن اصْدقوهم اللقاء، والله ما صدق قوم قطْ إلّا حازوا النصر بقدرة الله. 
ثمّ رفع يديه إلى السماء واستقبل القبلة، وقال: اللهمّ إنّا بك واثقون بك آمنّا وعليك توكّلنا، وإليك ألجأنا ظهورنا، ثم نزل. 

طالع للمزيد: شباب حول الرسول، البراء بن معرور "أول من بايع وأول من صلى نحو الكعبة"


فقاتل أهلُ المدينة قتالًا شديدًا، حتى كَثَرهم أهل الشام (كانت أعدادهم أكثر من أهل المدينة)، ودُخلت المدينة من النواحي كلّها، فلبس عبد الله بن حنظلة يومئذٍ درعين، وجعل يحضّ أصحابه على القتال، فجعلوا يقاتلون. 
وقُتل الناس فما ترى إلّا راية عبد الله بن حنظلة ممسكًا بها مع عصابة من أصحابه، وحانت الظهر فقال لمولى له: احْمِ لي ظهري حتى أصلّي الظهر أربعًا متمكّنًا، فلمّا قضى صلاته قال له مولاه: والله يا أبا عبد الرحمن ما بقي أحدٌ فعلامَ نقيم؟ ولواؤه قائم ما حوله خمسة. 
فقال: ويحك إنّما خرجنا على أن نموت. ثمّ انصرف من الصلاة وبه جراحات كثيرة، فتقلد السيف ونزع الدرع، ولبس ساعدين من ديباج، ثمّ حث الناس على القتال، وأهل المدينة كالأنعام الشُّرّد، وأهل الشام يقتلونهم في كلّ وجه. 
فلمّا هُزم الناس طرح الدرع وما عليه من سلاح وجعل يقاتلهم وهو حاسر حتى قتلوه.
ولما اشتدَّ القتال قَدَّم بنيه واحدًا واحدًا، حتى قتلوا كلهم، وهم ثمانية بنين، ثم كسر جفن سيفه فقاتل حتى قتل. 
ضربه رجلٌ من أهل الشام ضربةً بالسيف فقطع منكبيه، ووقع ميّتًا، فجعل مُسْرِف (مسلم بن عقبة) (من قادة جيش الأمويين) يطوف على فرس له في القتلى ومعه مروان بن الحكم، فمرّ على عبد الله بن حنظلة وهو مادّ إصبعه السبّابة، فقال مروان: أما والله لئن نصبتَها ميّتًا لطالما نصبتها حيًّا. 

مأساة الحرة

وتعد وقعة "الحرة" إحدى المآسي الرهيبة التي رصدها التاريخ.
ومن أبشع الانتهاكات التي سجلها المؤرخون عنها، ما ذكره مغيرة بن مقسم، من أنه: أنهب مسرف بن عقبة المدينة ثلاثا، وافتض بها ألف عذراء.. وقال أبو هارون العبدي: رأيت أبا سعيد الخدري ممعط اللحية (نتفوا شعرها)، فقال: هذا ما لقيت من ظلمة أهل الشام، أخذوا ما في البيت، ثم دخلت طائفة، فلم يجدوا شيئا، فأسفوا، وأضجعوني، فجعل كل واحد منهم يأخد من لحيتي خصلة.
وعن مالك بن أنس، قال: قتل يوم الحرة من حملة القرآن سبعمائة.


حدث هذا رغم الحديث الشريف الذي يقول: "من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله".
فلما جرت هذه الكائنة، اشتد بغض الناس ليزيد، مع فعله بالحسين وآله، فهلك بعد نيف وسبعين يوما، ومات قائدة مسلم بن عقبة مشلولا.
قال عبد اللّه بن أَبي سفيان: رأَيت عبد اللّه بن حنظلة في النوم بعد مقتله في أَحسن صورة، فقلت: أَمَا قُتِلت؟ قال بلى، ولقيت ربي فأَدخلني الجنة، فأَنا أَسْرح في ثمارها حيث شئت، فقلت: أَصحابُك؟ ما صُنِع بهم؟ قال: هم معي حول لوائي، لم تُحَلَّ عُقَدُه حتى الساعة. واستيقظت.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية