رئيس التحرير
عصام كامل

شباب حول الرسول، عبد الله بن مسعود أول من جهر بقراءة القرآن في مكة

عبد الله بن مسعود
عبد الله بن مسعود "أول من جهر بقراءة القرآن في مكة"، فيتو

مثلما أحاط بـ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نخبة من المسلمين الأوائل، كان هناك فتية آمنوا بربهم، وجهروا بالإسلام وهم حديثو السن، بعضهم لم يناهز الصبا، رغم ما كان يكتنف البيئة المحيطة من أصنام، وأوثان، وأدران، تخبَّط فيها آباؤهم وأمهاتهم.

تربوا على مراقبة تصرفات النبي، وأنصتوا لنصائحه، وحفظوا أقواله، وفقهوا أحاديثه.

كانوا أصحاب فكر سديد، فأعلنوا اتباعهم للنبي، ولم يرضخوا لضغوطات الأهل، والقبيلة، وتمسكوا بدينهم، وبذل بعضهم روحه من أجل العقيدة، وبعضهم فاق الكبار علما وفقها وشجاعة.

إنهم "شباب حول الرسول".

في هذه الحلقة نعرض سيرة أحد شباب الصحابة، وهو عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه.

صحابي جليل وفقيه ومقرئ ومحدث، وأحد رواة الحديث النبوي الشريف، وأحد السابقين إلى الإسلام، كان خادما للرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، صاحب نعليه، وسواكه، وواحد ممن هاجروا الهجرتين إلى الحبشة وإلى المدينة، وممن أدركوا القبلتين، وهو أول من جهر بقراءة القرآن في مكة. 
وقد تولى قضاء الكوفة وبيت مالها في خلافة عمر وصدر من خلافة عثمان.

هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شَمْخ، صاحب سر رسول الله، وأحد أفقه الصحابة رضوان الله عليهم الذين رووا علمًا كثيرًا عن رسول الله.

كان أحد السابقين الأولين الذين أسلموا قبل دخول رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، دار الأرقم، فقد قال، رضي الله عنه: لقد رأيتني سادس ستة ما على وجه الأرض مسلم غيرنا. 
روى عنه القراءة أبو عبد الرحمن السُّلَمي وعبيد بن فُضيلة وغيرهم، واتفق البخاري ومسلم في الصحيحين على أربعة وستين حديثًا، وانفرد له البخاري بواحد وعشرين حديثًا، ومسلم بخمسة وثلاثين.

وكان رضي الله عنه لطيفا فطنا ومعدودا في أذكياء العلماء. 

ومن الصفات الخًلقية التي اتصف بها أنّه لم يكن ذا طول، وكان وزنه خفيفً جدًا، فكان آدم شديد الأدمة "شديد السواد"، نحيفًا قصيرًا دقيق الساقين.
شارك في غزوة بدر، وأُحُد، والخندق، وبيعة الرضوان، وغيرها من الغزوات والمشاهد، وهاجر الهجرتين.

أول لقاء بين ابن مسعود والرسول

وروى عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: “كنتُ غلامًا يافعًا أرعى غنمًا لعقبةَ بنِ أبي معيطٍ فجاء النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ، وأبو بكرٍ رضِيَ اللهُ تعالَى عنهُ، وقد فرَّا من المشركين، فقالا: يا غلامُ هل عندَك من لبنٍ تسقيَنا ؟ قلت: إنّي مؤتَمنٌ ولستُ ساقيَكما، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ: هل عندَك من جزعةٍ لم ينزِ عليها الفحل ؟ قلت: نعم، فأتيتُهما بها فاعتقلها النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ، ومسح الضرعَ ودعا فحفلَ الضرعُ، ثم أتاه أبو بكرٍ رضيَ اللهُ عنهُ بصخرةٍ منقعرة، فاحتلب فيها فشرب وشرب أبو بكرٍ ثم شربتُ، ثم قال للضرعِ: اقلُصْ، فقلص، فأتيته بعد ذلك فقلت: علِّمني من هذا القولِ، قال: إنك غلامٌ مُعلمٌ قال: فأخذتُ من فيه سبعينَ سورةً لا ينازعُني فيها أحدٌ”.
(وهذه معجزة من معجزات النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يمكن أن تدر شاة لم يخالطها فحل، لبنا على الإطلاق، وما أن مسح الرسول على ضرعها ودعا، حتى امتلأ باللبن).
 كان أول من جهر بالقرآن في مكة بعد النبي، فقاسى ما قاساه المسلمون الأوائل من اضطهاد قريش، مما اضطره للهجرة إلى الحبشة. ثم عاد بعد سنوات إلى مكة، قبل أن يغادرها مجددًا مهاجرًا إلى يثرب بعد أن أذن النبي محمد لأصحابه بالهجرة إليها.
لازم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه النبي، صلى الله عليه وسلم، وروى عنه الكثير من الأحاديث، وآخى الرسول بينه وبين سعد بن معاذ، رضي الله عنه، بعد الهجرة إلى المدينة المنورة.

كان غزير العلم، وقال عن نفسه: “والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلّا أنا أعلم أين نزلت، ولا أُنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيم أُنزلت، ولو أعلم أحدًا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لأتيته”.

 وأضاف: “والله لقد أخذت مِنْ فِيْ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بضعًا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي أني مِنْ أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم”، فكان من فقهاء الأمة وعلمائهم، ووردت العديد من الأحاديث عن النبي تبيّن مكانته ومنزلته وفضله.

كانت غزوة الخندق من الغزوات التي شارك فيها ابن مسعود رضي الله عنه، وثبت مع الرسول مع ثمانين آخرين من الصحابة مهاجرين وأنصارًا، وكان ذلك من الأسباب التي أدّت إلى تولّي المشركين على أعقابهم.

أقبل بن مسعود ذات يوم وعمر بن الخطاب رضي الله عنه جالس فقال: كنيف مُلئ علمًا. وسئل الإمام علي رضي الله عنه عن أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: عن أيهم تسألون قالوا: أخبرنا عن عبد الله بن مسعود، فقال: عُلّمَ القرءان والسُّنَّة ثم انتهى.

وقال أبو موسى الأشعري: لا تسألوني عن شىء ما دام هذا الحَبْرُ فيكم، يعني بـذلك ابـن مسعود رضي الله عنه. 

وعن مسروق أنه قال: شاممتُ أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فوجدت علمهم انتهى إلى ستة نفر منهم: عمر وعلي وعبد الله وأبيّ بن كعب وأبو الدرداء وزيد ابن ثابت، ثم شاممتُ هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى رجلين: علي وعبد الله بن مسعود.

وقال علقمة: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو بعرفة فقال: جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة وتركت بها رجلًا يملي المصاحف عن ظهر قلبه، فغضب وانتفخ حتى كاد يملأ ما بين شعبتَي الرحل، فقال: من هو ويحك؟! فقال الرجل: عبد الله بن مسعود.

وقال أبو الأحوص: أتيت أبا موسى الأشعري وعنده ابن مسعود وأبو مسعود الأنصاري وهم ينظرون إلى مصحف، ثم خرج ابن مسعود فقال أبو مسعود: والله ما أعلم النبي، صلى الله عليه وسلم، ترك أحدًا أعلم بكتاب الله من هذا القائم، يعني بذلك عبد الله بن مسعود.
ومما مدح به الرسول، عبد الله بن مسعود ما رواه أبو نعيم في “حلية الأولياء” وهو أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أمره أن يصعد ويجتني سواكًا من الأراك وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه وتميله، فضحك القوم، فقال الرسول، صلى الله عليه وسلم،: “ما يضحككم”؟! قالوا: من دقة ساقيه، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أُحُد”. 
وعن علي، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: “لو كنت مؤمرًا أحدًا عن غير مشورة لأمَّرتُ عليهم ابن أُم عبد” يعني ابن مسعود.

كما أخــرج الحاكم والذهبي أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: “قد رضيتُ لكم ما رضي لكم ابن أم عبد”.
روى عنه عدد كبير من الصحابة والتابعين. وكان ابن مسعود، رضي الله عنه، كثير الحكم والمواعظ شديد التأثير في سامعيه، فمن شهير مواعظه قوله: إنكم في ممر من الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، فمن زرع خيرًا فيوشك أن يحصد رغبة، ومن زرع شرًا فيوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارعٍ مثل ما زرع. لا يَسْبق بطىء بحظه، ولا يُدرك حريصٌ ما لم يُقَدَّرْ له، فإن أُعطي خيرًا فالله أعطاه، ومن وُقِيَ شرًا فالله وقاه.. المتقون سادة والفقهاء قادة، ومجالسهم زيادة.

ومنها قوله: “اغْدُ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَوْ مُسْتَمِعًا، وَلاَ تَكُنِ الرَّابِعَ فَتَهْلِكَ”، كما قال: “مَنْ أَرَادَ أَنْ يُكْرَمَ دِينُهُ فَلاَ يَدْخُلْ عَلَى السُّلْطَانِ، وَلاَ يَخْلُوَنَّ بِالنِّسْوَانِ، وَلاَ يُخَاصِمَنَّ أَصْحَابَ الأَهْوَاءِ”.

ومن حكمه: ما قَلَّ وكفى خير مما كَثُرَ وألهى، ونفسٌ تُنْجيها خير من إمارة لا تحصيها، وشر المعذرة حين يحضر الموت، وشر الندامة ندامة يوم القيامة، وشر الضلالة الضلالة بعد الهدى، وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى.

ومن بليغ كلامه ما رواه الطبراني أنه ارتقى الصفا يومًا وأخذ لسانه وخاطبه قائلًا: يا لسان، قُلْ خيرًا تغنم، واسكت عن شر تسلم، من قبل أن تندم، إني سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول: “أكثر خطايا ابن آدم من لسانه”.

ومن مواعظه ما رواه ابنه عبد الرحمن، وهو أنه أتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن عَلّمني كلمات جوامع نوافع، فقال له: لا تشرك بالله شيئًا، وزُلْ مع القرآن حيث زال، ومن جاءك بالحق فاقبل منه وإن كان بعيدًا بغيضًا، ومن جاءك بالباطل فاردُدْه عليه وإن كان حبيبًا قريبًا. 

وعن أبي الأحوص أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: مع كل فَرْحة تَرْحة، وما مُلِئ بيت حَبْرة (سعة عيش) إلا مُلِئ عَِبرة.

ومن حكمه في بيان حال الدنيا وساكنيها: ما منكم إلا ضيف وماله عاريَّة، فالضيف مرتحل، والعاريَّة مؤداة إلى أهلها.

وعن سليمان بن مهران قال: بينما ابن مسعود يومًا معه نفر من أصحابه، إذ مر أعرابي فقال: علام اجتمع هؤلاء؟ فقال ابن مسعود: على ميراث محمد يقتسمونه. يعني بذلك علم الدين.
بعد انتقال النبي، شارك ابن مسعود في الفتح الإسلامي للشام، وشهد معركة اليرموك، وتولى يومها قسمة الغنائم. 

واختار عبد الله بن مسعود بعد انتهاء الفتح الإقامة في حمص، إلى أن جاءه أمر من الخليفة عمر بن الخطاب بالانتقال إلى الكوفة، ليعلّم أهلها أمور دينهم، وليعاون أميرها الجديد عمار بن ياسر، وكتب عمر إلى أهل الكوفة، فقال: “إني قد بعثت عمار بن ياسر أميرًا، وعبد الله بن مسعود معلمًا، ووزيرًا، وهما من النجباء من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من أهل بدر، فاقتدوا بهما، وأطيعوا واسمعوا قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي”.

وبقي عبد الله بن مسعود بالكوفة مدة خلافة عمر، وبداية خلافة عثمان بن عفان، إلى أن عزله عثمان، وبعث إليه يأمره بالعودة إلى المدينة. فاجتمع أهل الكوفة، وقالوا لعبد الله: “أقم، ونحن نمنعك أن يصل إليك شيء تكرهه”، فقال عبد الله: “إن له عليَّ حق الطاعة، وإِنها ستكون أمور وفتن، فلا أحب أن أكون أول من فتحها”، وردّ الناس، وخرج إلى المدينة.

وكانت وفاته في المدينة المنورة ودفن في البقيع.

زاره عثمان بن عفان في مرض وفاته فقال له: ما تشتكي؟ قال: ذُنوبي، فقال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي. 
 ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والفنية والأدبية.

الجريدة الرسمية