المقاصد الشرعية.. حفظ النفس
عزيزي القارئ ما زال الحديث عن المقاصد الشرعية التي من أجلها كان شرع الله تعالى وحكمه.
وذكرنا أن الحكمة والغاية منها هي تحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة، في العاجل والآجل، تحقيق المصالح في الدنيا، هي كل ما فيه نفعهم وصلاحهم وسعادتهم وراحتهم. وحفظ الحقوق فيما بينهم وما يقيمهم في حال سلام وكل ما يساعدهم على تجنب الأذى والضرر ودفع الفساد، وفي الآخرة هي الفوز برضاء الله تعالى والنجاة من عذابه..
وكنا قد تحدثنا في المقالات السابقة عن مقصدين من المقاصد الشرعية وهما حفظ الدين وحفظ العقل، ونتحدث في هذا المقال عن المقصد الثالث من مقاصد الشريعة والغاية منها وهو حفظ النفس، والنفس البشرية هي جوهر ذات الإنسان، وهي من أجَّل ما خلق الله تعالى وأقدسها عنده سبحانه وتعالى، وقد جعل الله تعالى لها حرمة شديدة مٌغلظة، وتوعد عز وجل كل من ينتهك حرمتها ويزهقها بغير الحق بالخلود في جهنم وغضبه.
ولعنته سبحانه وبالعذاب العظيم حيث يقول سبحانه "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا". ولعظم حٌرمة الدماء جعل الحق عز وجل من يٌسفكها بغير حق كأنما قتل الناس جميعا، ومن يٌحييها فكأنما أحيا الناس جميعا. يقول تعالى "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ ".
هذا وقد جاء في وصف الله تعالى لعباده المؤمنين أهل الصلاح والتقوى والذين نسبهم إليه تعالى بقوله “ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ”. يقول سبحانه "الَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانً".
هذا وحرمة الدماء جاءت بها كل الشرائع والرسالات السماوية، وقد جاء التأكيد على حرمتها بصفة عامة لكل البشر، لا فرق بين دم مسلم وغير مسلم، قد أكد على ذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: "لن يزال المؤمن في فسحة -أي من رحمة ربه تعالى ومغفرته- ما لم يصب دما حراما"..
وقوله: "من قتل قتيلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما".. وقوله: “من آمن رجلا على دمه فقتله فأنا برئ من القاتل وإن كان المقتول كافرا”، وقال عليه الصلاة والسلام وعلى آله "لزوال الدنيا أهون على الله عز وجل من سفك دم مسلم بغير حق".. وقال "اجتنبوا السبع الموبقات -أي المٌهلكات- الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المٌحصنات المٌؤمنات الغافلات.