رئيس التحرير
عصام كامل

المقاصد الشرعية.. حفظ العقل

لكي تستقيم حركة الإنسان في الحياة أنزل الحق عز وجل منهج سماوي وجعل له مقاصد وضرورات شرعية منها حفظ  العقل.. فبعدما أظهر الحق عز الله طلاقة قدرته وعظمة إبداعه في عوالم الخلق والكائنات جمع سبحانه وتعالى كل ذلك في الإنسان، وجعله صورة مٌصغرة جامعة لكل عوالم الخلق بدءًا بالعرش والكرسي وعالم الملكوت والسموات السبع بما حوت من عوالم وكائنات وصولا إلى الأراضين السبع وما حوت وما وراء ذلك من خلق الله تعالى. 

 

ولقد أشار إلى ذلك سيدنا الإمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه بقوله "أتحسب نفسك جرمٌ صغير وفيك إنطوى العالم الأكبر". هذا وشاء الحق سبحانه أن يجعل الإنسان جامعًا في تكوينه وخلقه ما بين الملائكة والبهائم. 

فالملائكة خُلقت من أنوار الصفات وهم عقل بلا شهوة. والبهائم خُلقت شهوة بلا عقل. والإنسان جمع في خلقه ما بين العقل والشهوة. فإذا تغلب العقل على الغرائز والشهوات الكائنة في النفس البشرية كان أفضل عند الله تعالى من الملائكة وأكرم عليه سبحانه منهم. وإما إذا تغلبت الغرائز والشهوات على العقل كان أدنى منزلة عند الله تعالى من البهائم، ويقع عندئذ تحت قوله سبحانه "إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا". 

 

ولقد كان من حكمة الله تعالى في إنزال الرسالات السماوية بمناهجها القويمة وتكليف الرسل بإبلاغها للبشر الحفاظ على نعمة العقل وسلامته ورشده حتى تستقيم حركة الإنسان في الحياة، ويستطيع أن يؤدي الدور المنوط به في هذه الحياة، وهو دور الإستخلاف في الأرض والقيام بأمر الله والإنابة عنه والذي  يتمثل في عمارة الأرض وإصلاحها، وإثراء الحياة عليها وتطبيق شرع الله تعالى ومنهجه القويم حتى تعٌم الرحمة الخلائق ويسود العدل في الأرض.. 

 

ومن هنا كان حفظ العقل ضرورة من الضرورات الخمس التي من أجلها شرع الله لنا الدين، وخاصة أنه مناط التكريم الإلهي للإنسان ومحل التكليف، إذ أن المجنون وفاقد العقل غير مكلف. وبالعقل الله تعالى يعطي ويحاسب. وبه يتفاضل الناس في الدنيا والآخرة. 

 

والعقل هو قائد مملكة الإنسان والمسئول عن تصرفاته وحركته في الحياة. ولكي يسلم العقل ويرشد لابد من قطع هوى النفس عنه. ومعلوم أن النفس البشرية إن لم تتزكي يغلب عليها صفة النفس الأمارة بالسوء ولهذه الصفة دخنة سوداء تسمى بدخنة النفس الأمارة بالسوء تصعد إلى العقل فتطمثه وتفقده نوره ورشده وإتزانه. 

 

 

من هنا يجب أن يلزم الإنسان باب مجاهدة النفس ومخالفة هواها والسعي إلى تزكيتها والعمل على الإرتقاء بها إلى صفة النفس المطمئنة الراضية المرضية. هذا ومن المعلوم أن الإنسان إذا لزم باب المجاهدة أنار الله تعالى له السبل المؤدية إلى الوصل به سبحانه والقرب منه عز وجل. وذلك لقوله جل جلاله "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ"..

الجريدة الرسمية