رئيس التحرير
عصام كامل

الحقيقة التي ننساها!

من منا لم تراوده خواطر الموت؟! الإنسان الفطن هو الذي يدرك أن كل ما له بداية له نهاية.. فالموت غاية كل حيّ، كتبه الله على كل المخلوقات، وهو الحقيقة الوحيدة التي نعلمها من الواقع بالضرورة، فقد مات من كانوا قبلنا منذ مئات القرون، ورغم أننا نعلم يقينًا أننا ميتون لكن بعضنا أو أكثر لا يزال يظلم غيره، ويؤذي غيره، ويغويه الشيطان بالتسويف واستبعاد لحظة النهاية التي تقترب شيئًا فشيئًا كلما مرّ يوم من عمر الإنسان!


الموت حقيقة وردت في القرآن الكريم في أيات عديدة وبصيغ مختلفة فقد ذكرها الله في أول سورة الملك بقوله تعالى "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ".


كما خاطب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ" فهل بعد ذلك شك أن الموت آت آتٍ مهما طال الله.. فلماذا النسيان والغفلة.. ولماذا الإعراض عن مصير محتوم لا مفر منه؟!
 

أتصور أن أكثر آثام البشر وجرائمهم وخطاياهم إنما وقعت في لحظة غفلة، نسى فيها كل مخطيء أنه ميت مؤجلة جنازته إلى حين؛ ولو أن الموت كان حاضرًا في ذهنه لحظة ارتكاب الخطأ ما وقع فيه، وما تعرض الآخر لمظلمة عانى منها كثير من البشر منذ خلق الله الدنيا. وهنا يثور سؤال: هل سألت نفسك: ماذا تساوى الدنيا عند الله؟!

والإجابة أنها لا تساوى عند الله جناح بعوضة، وهى ليست غاية في ذاتها وإنما قنطرة للآخرة.. هى دار للعمل والكد والتعب والابتلاء، "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ".. فلماذا يتصارع الناس على أقل من جناح بعوضة؟!


وإذا أردنا معرفة الدنيا على حقيقتها فلنقرأ إن شئنا الحديث الشريف عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل.. وكان ابن عمر يقول: "إذا أمسيت، فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" رواه البخاري.


وهنا يثور سؤال آخر: لماذا ننسى أننا راحلون ويسعى بعضنا في الدنيا وكأنه مخلّد فيها؛ فيظلم هذا، ويؤذي ذاك، تارة بلسانه وأخرى بيده وثالثة بنفوذه ومنصبه.. ينسى أن العمر لحظة علمنا بدايتها ونجهل نهايتها.. 

وأن العبرة بالخواتيم والجنازات وإذا أردت أن تعرف قيمة الدنيا فاذهب لأقرب مستشفى وانظر لأصعب الحالات المرضية وأسأل نفسك: ترى لو كنت مكانه فكيف سيكون شعورك.. فهل تذكر حينها كم أنعم الله عليك بنعم لا تحصى ولا تعد.. 

فذاك مريض يحتاج زراعة كبد أو رئة أو قلب بمئات الآلاف من الجنيهات.. فكم تملك في جسدك هذا أعضاء طبيعية بملايين الجنيهات وحتى إذا امتلك هذا المريض أو ذاك أموالًا تغنيه وتحقق له المراد: فمن يضمن له الشفاء إذا زرع ما يحتاجه من أعضاء،..

ومن يضمن لجسد المريض الذي يحتاج مثلًا إلى زراعة رئة أن يتقبلها وينسجم معها ولا يلفظها.. ومن يضمن لجهاز مناعتك أن يعمل لصالح بدنك ولا يهاجم نفسه فيعمل مثلا على تكسير صفائحه الدموية التي لا يمكن للمرء أن يعيش بدونها!

 


أفضل ما ينبغي للمرء أن يفعله هو أن يذكر الموت والبلاء وأن يستعد للرحيل قبل فوات الأوان يقول النبي الكريم: "الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني".. فهل ما زلت تتمنى وتفرط في الأحلام دون أن تقدم لنفسك عملًا صالحًا يقربك من الله وهل تنسى قول الله تعالى:"فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا".

الجريدة الرسمية