رئيس التحرير
عصام كامل

أين تجد السعادة؟!

هل سألت نفسك يومًا.. أين تجد السعادة؟! البعض يخلط بين اللذة والسعادة؛ فالأولى إحساس مؤقت وربما وهمي بالانتعاش؛ وتلك سمة الشهوات التي تتفاوت فيها اللذات فثمة من يجد لذته في التهام الطعام، وهناك من يجدها في الإشباع الجنسي، أو في الانتصار على الخصوم أو في الانتقام ممن ظلمه.. 

لكن هل تدوم تلك اللذات أم سرعان ما تنقضي؟! ليعود صاحبه إدراجه باحثًا عن لذة أو متعة أخرى لا تلبث هي الأخر أن تتلاشى آثارها، ولا يبقى مع صاحبها إلا الشعور بالملل والسأم.


الحياة أكبر مدرسة يتعلم فيها الإنسان، والحكيم من اتعظ بغيره قبل أن يتعظ بنفسه، وليس شرطًا أن تتعلم بالتجربة، فكم من تجارب مريرة تركت أصحابها مشوهين مشتتين بلا معالم واضحة، وكم قابلت في حياتك شخصًا خرج من تجربته ناقمًا على نفسه وعلى من حوله لقسوة ما عانى من مرّ التجارب.. 

 

وإذا كان البعض وربما كثير من الناس يرون السعادة في الأموال ويتمنون أن يكونوا مثل فلان أو علان من أصحاب الثروات الضخمة، وتلك عادة قديمة عرفناها في القرآن في قصة قارون الذي حيزت له الدنيا بكنوزها وزينتها وأموالها لكن كيف كانت نهايته؟!


يقول الله تعالى في محكم التنزيل "فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ  وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ" (القصص:79-82)


فهل وجد قارون سعادته في المال.. وهل يكفى المال لجلب السعادة لصاحبه.. وهل عاش الأغنياء سعداء أم أن منهم من زهد الغنى باحثًا عن راحته في لذة العطاء بإدخال البسمة على قلب مسكين بصدقة أو كلمة طيبة أو ابتسامة تجلب الفرحة لقلوب التعساء!


فلسفة الحياة أبسط مما يظنها كثيرون، وربما ضاعت أعمال كثيرين بحثًا عن سعادة وهمية لا يجدونها سوي في الأحلام.. قد يفرح المرء إذا كسب مالًا أو رُزق ولدًا، أو زوجة جميلة أو وظيفة مرموقة لكن سرعان ما ينقضى الشعور باللذة يبقى الإنسان حبيس نفس لا تشبع ولا تقنع ولا ترضى بما هي فيه رغم أنها ترفل في بحر من النعم!

 


لابد إذًا من التفريق بين فرحة عارضة تزول مهما طالت.. وبين سعادة لا تنقضي أبدًا وتلك لا تتحقق في الدنيا بل في الآخرة فقط حيث يصفها الله سبحانه بقوله": (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (هود: 108 ).. فهل ما زلت تبحث عن سعادة لا وجود لها في الدنيا؟!

الجريدة الرسمية