وأصبر وما صبرك إلا بالله
ما دامت لك أنفاس وحياة في هذه الدار، دار الفتن والإبتلاء والمحن، دار الغربة والإغتراب، دار المكابدة والعناء والشقاء، دار العجب والأعاجيب، إذ أنها دار متقلبة لا ثبات لها على حال ودوام الحال فيها محال، دار لا سلامة فيها من ألسنة الخلق، ولا راحة فيها كما أخبر سيد الخلق عليه وعلى آله الصلاة والسلام.
ولا أمان لها ولا فيها إلا بقربك من الخالق عز وجل، فهي تعطيك اليوم وتأخذ منك غدا، تفرحك اليوم وتحزنك وتؤلمك غدا، تعيش فوق ظهرها اليوم وتدفن في بطنها غدا.. حلالها حساب وحرامها عقاب، وخير ما فيها ترك ما فيها بالزهد فيها، وعدم تعلق القلب بشئ منها..
فعليك بالصبر على مكارها وتحمل بلاءها وأن ترضى بقدرك وقسمتك فيها، وكن فيها كعابر سبيل حتى تسلم وتخرج منها بسلام، والله تعالى يطالبنا بالصبر الجميل حيث يقول سبحانه "فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ"، أي صبر مصحوب برضا لا شكوى فيه ولا غضاضة..
وفي الحقيقة أن الإنسان لا يملك القدرة بنفسه على الصبر وتحمل مكاره الحياة وما أكثرها وخاصة في هذا الزمان الذي غابت فيه مكارم الأخلاق وساد الفساد وعم الأرجاء، حتى أصبح أهل الله وعباده الصالحين غرباء بين همج رعاع، وأصبحنا نتعامل مع بشر معظهم كما وصفهم الله تعالى "أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا"..
بشر ملأ الجشع والطمع قلوبهم بعدما تحكمت فيهم الأنوات والشهوات والأهواء وعمى حب الدنيا قلوبهم، أناس غاب عنهم أن الله تعالى موجود ورقيب عليهم، وأنهم إليه راجعون ومحاسبون، أناس خلت قلوبهم من خشية الله عز وجل والخوف منه سبحانه.. اناس إمتلأت أنفسهم المريضة بالطمع والجشع والأنانية.
هذا والإنسان ضعيف بحكم تكوينه لا صبر له ولا جلد بنفسه، فهو من وصفه كما وصفه خالقه أنه جزوع ويئوس وظلوم وجهول وكنود وكفار، هذا ومن المؤكد أن كل ما لا يوافق هواه يؤلمه ويتعبه ويحزنه ويشقيه..
ومن هنا لابد له من الرجوع إلى معين ومصدر الصبر ومانحه حتى يستطيع أن يتحمل مرارات ومكابدات الحياة، ولقد كان من رحمة الله تعالى بالإنسان أن عرفه أنه سبحانه هو مصدر الصبر حيث يقول عز وجل “وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ”..
ولكي يأتي المدد وتأتي الإعانة من الله تعالى على الطاعة والصبر على البلاء والرضا بالقضاء، لابد أن يطرق العبد باب الإعانة الإلهية، ولقد دلنا الله سبحانه وتعالى على ذلك، ففي فاتحة الكتاب بعد الإقرار لله تعالى بالعبودية "إِيَّاكَ نَعْبُدُ" تأتي الإشارة إلى طلب المدد والإعانة من الله تعالى "وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ".
الخلاصة: لا طاعة إلا بتوفيق الله، ولا صبر إلا بتصبير الله، ولا رضا إلا بفضل وجود من الله وما علينا.