ومن الفراغ ما قتل!
الفراغ يقتل أنبل ما في الإنسان، فما بالنا لو كان هذا الفراغ روحيا، ساعتها يتحول الإنسان لكائن مادي لا يشغله إلا إشباع الرغبات والشهوات والملذات والتهام كل ما تطاله يداه؛ هنا يكون الإنسان حيوانيا تتوارى بداخله صفات الإنسانية والأخلاق، وتظهر غرائزه الحيوانية.
الحضارة الغربية مادية صرفة وقد تأثر بها الشرق فانطلق يقلد الغربيين في المأكل والملبس والكلام وربما التفكير.. حتى صار عصرنا الحالى الذي نعيشه في القرن الواحد والعشرين لا يبالي أكثر من فيه بالحرام والحلال، بل صار الحرام مجانيا والحلال مُكلف جدًا.
صار وصول البيتزا أسرع من وصول الإسعاف والأمن.. وبات فقدان الهاتف.. أكتر ألمًا من فقدان الكرامة والشهامة والمروءة؛ وصارت الملابس هي التي تحدد قيمة الشخص.. وعز الوفاء وقل أصحابه حتى صاروا عملة نادرة وإن وجدوا فهم من الطراز القديم.
المال أصبح ميزان الناس، فأينما وجد مالوا إلى من عنده مال، بل لعله صار تمثال الحرية ورمز العدالة والمساواة.. المال صار يُجِبر الناس أن تحترمك حتى لو كان مالك من حرام.. ولا عجب والحال هكذا أن يصبح العصر موحشا لكل من تربى على قيم الشرف والنبل وحسن الخلق.. مثل هؤلاء يعيشون غربة حقيقية في مجتمعاتهم ويصيرون كمن يقبض على الجمر بيديه..
ولم لا وقد أصبح الكذب فهلوة.. والخيانة ذكاء.. والفقر عيبا.. والعُري قمة الأناقة والحرية، وبات التحشم قمة التخلف وجمال الشكل هو عامل الجذب الأول وتوارت الروح خلف رغبات الجسد وشهواته التي لا تشبع ولا تقنع.. كسر الخاطر أصبح صراحة.. وجبر الخواطر أصبح طيبة وهبل!
المبادئ والقيم صارت من تراث الزمن الجميل بل يراها بعض أهل زماننا قمة التخلف والتأخر.. أرأيتم زيفا وتفاهة وانحطاطا أكثر من هذا.. ثم يأتي من يطلب إهمال تدريس العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تكرس لقيم الخير والحق والجمال وتعمق أوصال الهوية والانتماء في وجدان الأجيال.. فهل تكفي العلوم الطبيعية والمادية وحدها لصيانة إنسانية الإنسان في زمن الجشع والسقوط والانحطاط؟!