الأزهر وإعادة تحقيق التراث الإسلامي.. مشروع قومي (1)
الأزهر الشريف، يمثل رأس المؤسسة الدينية في مصر، بل والعالم أجمع.. الحفاوة منقطعة النظيرالتي حظي بها،عن جدارة فضيلة شيخ الأزهر، في الدول التي يزورها.. تؤكد ذلك.
ومن حسن الطالع، أن أكرمنا الله بوجود عالم جليل، ومفكر كبير في منصب وزير الأوقاف، فاكتملت بذلك أضلاع الكيان الديني في مصر، الأزهر، على رأسه فضيلة الدكتور أحمد الطيب، والأوقاف، ويقودها الدكتور أسامة الأزهري، ودار الإفتاء يديرها الدكتور نظير عياد..
إنها فرصة ذهبية لكي تحقق المؤسسة الدينية أضخم مشروعاتها، وهو إعادة تحقيق وتمحيص التراث الإسلامي، وبالتحديد كتب الفقه والتفاسير والأحاديث الشريفة؛ حماية للسنة النبوية المطهرة من محاولات العبث، وإنكار بعض الموتورين لوجودها من الأساس.
هذا المشروع، الذي يستحق أن يكون مشروعا قوميا، سينسف كل المؤامرات التي توجه سهامها المسمومة إلى السنة المشرفة.. ويمكن أن تشارك في هذا المشروع لجنتا الشئون الدينية في مجلسي النواب والشيوخ، وأيضا المجلس الأعلى للطرق الصوفية؛ تعميما للفائدة.
أقترح على الأضلاع الثلاثة للمؤسسة الدينية؛ الأزهر، والأوقاف، والإفتاء، أن تبدأ على الفور في اختيار ممثلين لها، ومندوبين عنها، وتحديد محاور لورش عمل موسعة، وجلسات للعصف الذهني، وحصر كتب الفقه، وتفاسير القرآن الكريم، وكتب الأحاديث، وفي المقدمة منها؛ البخاري ومسلم، ومسند أحمد، وموطا مالك، وغيرها.
إذا تحقق هذا الهدف، والذي نعني به تنقية كتب التراث الإسلامي مما يضمه من روايات بعضها مدسوس، ودخيل، ويسيء إلى سماحة الإسلام، ويعكر صفو الدين الحنيف، نكون قد أسدينا إلى ديننا خدمة جليلة، ستغير مجرى التاريخ، وتجهض الأفكار الشيطانية المضللة، وتحمي الإسلام من إلصاق اتهامات الإرهاب والعنف والتطرف به، وهو منها براء.
ولاشك أن داعش وأخواتها ضحية غير بريئة لمثل تلك الأحاديث والروايات الدخيلة على الإسلام الصحيح، ومدسوسة على سيدنا النبي العظيم، صاحب الخلق العظيم.
وعلى سبيل المثال، لا الحصر، نورد "حديث النّهي عن بداءة أهل الكتاب بالسلام"، وهو الحديث الذي بسببه يصدعنا الإخوة المتسلفون في كل عيد أو مناسبة غير إسلامية، بتذكيرنا بأن تهنئة غير المسلمين بأعيادهم حرامٌ شرعا.
هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم، وغيره، وهو غير مستساغ، ويرفضه العقل السوي، من جهة المتن مع الاضطراب الشديد، وقد روي من طريق رجل ضعيف، فمن رواه مقصرٌ في البحث، أو سُهي عليه، أو مقلدٌ لمن سبقوه إلى التصحيح. مثل هذا الحديث الغريب خطرٌ على وضع الإسلام ومستقبل المسلمين في أوروبا وأمريكا وغيرها.
وعن تخريج الحديث، فقد روى سُهَيْلٍ بن أبي صالح عَنْ أَبِيهِ ذكوان عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَبْدَأوا الْيَهُودَ وَلاَ النَّصَارَى بِالسَّلاَمِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِى طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ". أخرجه أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه، والترمذي في سننه وغيرهم.
وهو حديث صحيح عند جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء قبل أن يخرجه مسلم في صحيحه وبعده. ولم يكن بمقدور أي إمام أن يحقق في صحة الحديث؛ خوفا من الإرهاب السياسي أوالفقهي، لذلك لم نجد أحدا يجهر بتضعيفه، بمن فيهم النقاد الذين تكلموا في راوية سهيل السمّان وضعفوه من جهة حفظه وضبطه.
ومثلما يحدث الآن من البعض، الذين يتهمون أي مفكر، يُعمل عقله في الكلام عن أي حديث، أو قول لأحد الصحابة، رضي الله عنهم، بأنه يسعى لهدم السُّنَّة النبوية الشريفة.
فتخبرنا بعض كتب التراث مثالا شهيرًا عن الإمام البخاري حيث ضَعَّف حديثا مشهورا في مجلس خاص، وأوصى بالستر عليه حتى لا يلاحقه إرهاب المحدثين والفقهاء والعامة، وهو مثال يستدل به المحدثون على إمامة البخاري في علم علل الحديث، ويدرسونه في علم المصطلح الحديثي، لكنهم لا يقفون عند جانبه المظلم الدال على سيطرة الإرهاب الفكري مبكرا على عقول بعض علماء الأمة.