رئيس التحرير
عصام كامل

الأخوة التي فرطنا فيها!

في حياتنا الاجتماعية قيم حميدة بدأت تتلاشى، رغم أنها كانت أفضل ما يميز مجتمعاتنا، وتضمن لها التماسك والحيوية والصحة النفسية، من تلك القيم الفاضلة صلة الأرحام التي فرطنا فيها في ظاهرة تنزع الروح من علاقاتنا وروابطنا الأسرة، ذلك أن تأزم العلاقات بين الإخوة، أخطر ما يهدد مجتمعاتنا بالضعف والفرقة والتنازع، وهو ما ينبغي التنبه له.. 

 

فالأخوة ليست مجرد علاقات عابرة يمكن أن تنهيها حين يغدر بك أو يخونك الطرف الآخر.. بل هي دم يجري في عروقك وصلة سوف يحاسبك الله على قطعها.. يقول الله تعالى: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ"!


أما من جرفهم تيار الحياة والمنافع المادية فيقيسون عطاء الأخوة بقانون الأخذ والعطاء فمثل هؤلاء لن يحصدوا سوى جفاف المشاعر وتصحر الأحاسيس وتباعد المسافات وفقدان الأمان، فالأخ أو الأخت لا يعوض!


وليس من مكارم الأخلاق أن تحكم علاقتك بإخوتك بقانون "إن زرتني زرتك.. وإن أعطيتني أعطيتك.. وإن أحسنت إليَّ أحسنت إليك".. هذا منطق خاسر يجرد الأخوة من معناها الحقيقي الذي جعل الله قطعها بمثابة إفساد في الأرض!

 
وهنا ينبغي أن تضع خطوطًا حمراء لكل من يغويك بقطع رحمك بالبعد عنه.. لأنك سترى المشهد نفسه يتكرر بين أبنائك وتدب القطيعة بينهم فماذا ستفعل لهم سوى أن تتحسر عليهم لأنك فعلت الشيء نفسه مع إخوتك ولم يجدوا فيك قدوة صالح تصلح الرحم!


روعة الأخوة أن تشعر أختك أو أخاك بقيمته في حياتك باشتياقك له.. بأن أمره وهمومه ومشكلاته تعنيك.. بأن آلامه هي آلامك، وأن دموعه تنحدر من عينيك قبل عينيه.. أن تسنده قبل أن يسقط.. أن تكون عكازه قبل أن يطلب منك ذلك.. 


الأخوة ليست مجرد نسب واحد ولا أسماء مكتوبة في بطاقة رسمية.. ولا أوراق مرسومة في شجرة العائلة.. ولا أرقام مسجلة في هاتفك.. الأخوة معناها أنك أبناء رحم واحد وأب واحد وأم واحدة أرضعتكم، وعشتم في البيت نفسه، وأكلتم من الصحن نفسه، وشربتم من الكأس نفسها، واحتفظتم بالذكريات نفسها، ولذلك لن تستطيع أن تمحو كل ذلك، وحتى لو حاولت ستشعر في نهاية كل يوم بتأنيب الضمير؛ فالدم الذي يسري في عروقك سيشعرك بالحنين لإخوة يقاسمونك كرات دمك نفسها!


فهل بعد كل ذلك يسهل عليك لأي سبب كان أن تفرط بإخوتك في هذه الدنيا.. هل يمكن أن تحيا دون إخوة.. الزوج يأتي بداله زوج آخر وكذلك الزوجة.. والأبناء يأتي غيرهم من الأبناء، المال يأتي غيره مال لكن إخوتك إن ذهبوا فلن يأتي غيرهم.. 

 

 

أنظر إلى أبشع جرائم التاريخ وأكثرها جلبًا للندم والحسرة ستجدها كانت بين إخوة، ماذا قال قابيل حين قتل أخاه قال "يا ويلتى".. وماذا فعل إخوة يوسف بيوسف.. وكيف عاملهم يوسف وعفا عنهم رغم قسوتهم معه.. ألا تجد في تلك القصص ما يرقق شعورك ويلين قلبك على إخوتك.. فتصفح عن مسيئهم وتعفو عمن مسيئهم.. الإخوة تستحق التضحية.. فلا أقل من أن تضحى لأجلها!

الجريدة الرسمية