رئيس التحرير
عصام كامل

الفن وسنينه

أنصاف الموهوبين يسيطرون على الساحة وهدفهم الأول الفلوس!

لا شك أن الفن المصري بصفة عامة والتمثيل بصفة خاصة لعب أدورًا مهمة في حياة المجتمع عبر التاريخ، حينما كان هناك مفهوم صحيح وحقيقي للفن وللفنان الملتزم بقضايا مجتمعه، المهموم به، المثقف الواعي، الذي يبحث عن صناعة التاريخ والخلود ولا يلهث وراء المادة ومن يقدمها له وبأي ثمن دون النظر لأي اعتبارات أخرى فنية أو أخلاقية كانت!


فبالتأكيد أصاب مفهوم الفن الحقيقي في الوقت الحالي كثير من اللغط وعدم الوضوح والضبابية، في ظل طغيان أنصاف الفنانين ومحدودي الموهبة والثقافة على الساحة، ففي المجتمعات المتقدمة يعتبر كل من يطلق عليه لقب فنان أنه من يحمل الخير والتنوير لكل أفراد المجتمع، وأنه بما يتمتع به من موهبة وثقافة ورؤية شاملة مستقبلية منتظر منه أن يطرح حلولًا لمشاكل مجتمعه من خارج الصندوق. 


ولهذا على المجتمع أن يعطيه اهتمامًا وتبجيلًا خاصًا قد لا تحظى به أغلب طوائفه وفئاته! وهنا يلح علينا تساؤلا مهمًا، هل يتمتع فنانو الأجيال الحالية في مصر بهذه المواصفات التي ذكرناها؟ هل يعرفون معنى الفن والفنان الحقيقي والدور الذي يجب أن يضطلع به في المجتمع؟! خاصةً في ظل الظروف الدقيقة والصعبة التي يمر بها على كافة المستويات والأصعدة!


أشك تمامًا أن أغلب فناني ونجوم الجيل الحالي يدركون ذلك أو يتغافلون عن حقيقة دور الفن في المجتمع مفضلين تغليب المادة والشهرة والنجومية على أي اعتبارات أخرى!

نجوم الفن الحقيقي

أزعم أن الأجيال السابقة من نجوم التمثيل في العصر الذهبي للفن في حقبتي الخمسينيات والستينيات وبعضًا من السبعينيات والثمانينيات، كان يدرك معظمهم رسالة الفن والفنان وواجبه نحو مجتمعه، وهو ما تعكسه مئات الأفلام فالمسلسلات بعد ظهور التليفزيون بعد ذلك، لما تمتعت به هذه الأجيال من موهبة وثقافة ورؤية وكاريزما وهدف وخيال.. 

ساعدهم في ذلك المناخ الثقافي والفكري والاجتماعي، الذي كان سائدا آنذاك، بوجود كتاب وأدباء عمالقة بمؤلفاتهم الراقية أمثال نجيب محفوظ، ويوسف السباعي، وطه حسين، وإحسان عبد القدوس، ويوسف إدريس وغيرهم. 


هذا فضلًا عن توافر كتاب السيناريو الكبار مثل علي الزرقاني، ومحمد أبو يوسف، وعبد الحي آديب، والسيد بدير، ثم وحيد حامد، وبشير الديك، وغيرهم مع مخرجين أصحاب رسالة ووجهة نظر مثل صلاح أبو سيف، وكمال الشيخ، وعز الدين ذو الفقار، وعاطف سالم، وحسين كمال، ثم عاطف الطيب، ومحمد خان، وداوود عبد السيد، فشريف عرفة بعد ذلك. 


وعلى مستوى التمثيل وجدنا نجوم يسيرون في نفس الاتجاه يتمتعون بالموهبة والثقافة والرؤية والكاريزما ومن ثم كان تأثيرهم إيجابيًا كبيرًا منهم نجيب الريحاني، يوسف وهبي، حسين صدقي، أنور وجدي، فريد شوقي الذي تسببت بعض أفلامه في تغيير قوانين هامة مثل جعلوني مجرما وكلمة شرف.. 

 

وفاتن حمامة، شادية، ماجدة التي أنتجت فيلم جميلة بوحيرد عن هذه المناضلة الجزائرية وكان له تأثير واسع على ثورة الجزائر ضد المحتل الفرنسي، وسعاد حسني والأمثلة عديدة على هذه النوعية من نجوم الفن الحقيقين، حتى الوصول إلى جيل الثمانينيات أخر الأجيال الحقيقية من النجوم الذين أثروا الفن أمثال عادل إمام، نور الشريف، محمود عبدالعزيز، أحمد زكي، محمود ياسين، نجلاء فتحي، نبيلة عبيد.. 

 

وهذه الأجيال السابقة العظيمة كانوا محظوظين تمامًا بتوافر كل عناصر النجاح والتميز لهم كما أشرنا من قبل، ولكن هذا لا ينفى أنهم كانوا مختلفين كليًا عن الأجيال التالية والحالية بموهبتهم وثقافتهم ورؤيتهم وكاريزماتهم، ومن ثم سطروا تأريخًا بأحرف من نور.. 

 

عكس معظم نجوم الأجيال الحالية الذين همهم الأول والأخير هو زيادة أرصدتهم في البنوك بأي ثمن، وعن طريق أي شخص حتى لو كان ذلك بتقديم تنازلات خطيرة فنية وأخلاقية قد تسيء إلى مجتمعهم ووطنهم، وهو ما حدث في الآونة الأخيرة ولعل فيلم ولاد رزق 3 والفيلم الأزمة المزمع تصويره قريبًا النونو بطولة أحمد حلمي، لدليل واضح على ذلك.. 

 

وهو ما سيتكرر مستقبلًا أيضًا ما لم تكون هناك وقفة حازمة من أعلى المستويات في الدولة وفي أجهزتها المتعددة مثل وزارة الثقافة، والرقابة، وأجهزة الإعلام، والنقابات الفنية، وجماعات الضغط ورواد السوشيال ميديا من المثقفين المستنيرين، ومن نجوم وصناع الفن الحقيقين على قلتهم ممن يغيرون على الفن المصري، وعلى ريادته وتاريخه وقوته كأحد أدوات القوى الناعمة الفاعلة والمؤثرة للدولة على مدار التاريخ.

محاولات على استحياء

رغم أن المقارنة ظالمة وغير متكافئة بين نجوم الأجيال السابقة من الفنانين والأجيال الحالية لصالح الأولى بالطبع، إلا أن هذا لا ينكر وجود بعض المحاولات القليلة من جانب عدد محدود جدًا من نجوم الفن الحاليين وصناعه من الكتاب والمنتجين والمخرجين المحترمين لتغيير الصورة، وتقديم أعمال جيدة شكلًا ومضمونًا سينمائية وتليفزيونية وبإمكانات كبيرة جدًا وغير مسبوقة وعلى فترات منها أفلام الممر، كيرة والجن، أهل الكهف، ومسلسلات الزيبق، الاختيار، بطلوع الروح، جودر، الحشاشين. 

 


ولكن هذا الأعمال وإن كانت تحمل رسالة ومضمون هادف يتماهى مع مفهوم الفن الحقيقي، إلا أن نسبتها ضئيلة جدًا مقارنة بكم الأعمال السينمائية والتليفزيونية التي تقدم حاليًا ولا تحمل أي فكر ورسالة أو هدف بل ويسيء أغلبها إلى المجتمع وثوابته وموروثاته وقيمه وسمعته أيضًا!

الجريدة الرسمية