رئيس التحرير
عصام كامل

التغيير.. يبدأ من هنا!

كلما قرأت شيئا من مؤلفات المفكر الراحل الدكتور مصطفى محمود تعجبت كيف يغفل إعلامنا بتنويعاته المختلفة عن تقريب مثل هذه الأفكار للجمهور وهي أفكار سبقت زمانها بكثير وانطوت على حكمة عظيمة يمكنها إذا ما وصلت لأفهام وعقول الأجيال الجديدة أن تغير شيئا كثيرا في واقعنا المأزوم.


فحين يتحدث الرجل عن مشكلة البلدان العربية فيقول إنها لن يحلها استبدال شخص بشخص في الحكم.. وأن المسألة غير هذا تمامًا.. ذلك أن العيب في المناخ العام وفي مستوى الوعي، العيب في الناس صغارهم وكبارهم.


العيب في التعليم الهابط وما يفرزه من لياقات هابطة وعقليات هابطة.. العيب في النمط الاستهلاكي من الحياة وما يفرزه من جشع مادي وتهالك وسلوكيات أنانية.. العيب في روح السلبية والكسل وعدم المبالاة وعدم الإنتماء.. العيب في ثقافة التسلية وقتل الوقت والإعلام الترفيهي ومسرح الهزل وصحافة المهاترات.


أليست تلك الكلمات على بساطة ألفاظها وسلاسة أفكارها تضع أيدينا على موضع الداء، وهو نمط الحياة والتفكير والتعليم والثقافة ومن ثم السلوك غير الرشيد.. لماذا نتغافل عن أصل الداء.. لماذا نهرب من مواجهة أنفسنا أليس العيب فينا وفي غيرنا.. فلماذا نترصد الغير ونعجز عن إصلاح أنفسنا.. لماذا لا تمعن التفكير في قول الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"..

 

هل جربت أن تبدأ بنفسك لإصلاح عيوبك.. لماذا لا نردد مع الشاعر قوله:
أقبل على النفس واستكمل فضائلها    ..   فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان


آفتنا أننا نهتم بإشباع حاجات الجسد من طعام وشراب واستهلاك نهم وغفلنا عن الأهم وهو تربية الروح والوجدان.. رغم أننا لو بدأنا بالنفس والروح والعقل ما وصلنا لما نحن فيه من استحلال ما ليس لنا  ولما شاعت فينا رذائل من قبيل الرشوة والمحسوبية والواسطة وأكل أموال الناس بالباطل والنفاق والغيبة والتواكل والكسل.. 

ولعلمنا أن الفساد ليس هو الرشوة فحسب بل إن التقصير في العمل فساد، وتضييع الأمانة فساد، والإهمال واللامبالاة فساد، وسوء الاختيار فساد، والتأخر في إصدار القرارات فساد وإهدار لفرص التطور.. لو نظرنا حولنا وفي أحوالنا لأدركنا أن العيب فينا أو كما قال الشاعر:                       نعيب زماننا والعيب فينا  ..   وما لزماننا عيب سوانا

 


صحيح أن العيب كثير حولنا لكننا جزء منه لا شك إما لأننا سكتنا عنه ولم نبادر بإصلاحه أو اعتدنا عليه وتعايشنا مع وصرنا جزءا منه.. وفي كل الأحوال أصبحنا جزءا من المشكلة وليس جزءا من الحل.. وليس أمامنا إن أردنا إصلاحا إلا أن نبدأ بأنفسنا حتى يغير الله ما بنا من عيوب وفساد وتخلف وفقر في الفكر قبل المال.. التغيير يبدأ من هنا! رحم الله العالم الفذ والمفكر الكبير الدكتور مصطفى محمود.

الجريدة الرسمية