محافظ الدقهلية.. المتابعة الميدانية مطلوبة ولكن!
مهم أن ينزل المسئول للمواطنين أينما كانوا يستمع لشكاواهم ويستجيب لطلباتهم ويطلع على طموحاتهم وأحلامهم ليحقق لهم ما يستطيع منها ليرفع منسوب الأمل في الشارع، ويعزز الظهير الشعبي للحكومة، أي حكومة..
النزول الميداني للمسئول إلى الشارع مؤشرٌ جيدٌ لكن الإغراق في تفاصيل ميدانية كالمرور على مخابز أو محلات أو تتبع مواطن حصل على أربعة أكياس من الخبز ولو كان مدعومًا ثم تصويره ومصادرتها فذلك ليس من عمل السياسة في شيء.
وإذا كانت آلة السياسة هي سعة الصدر فإنني أتوجه بسؤالي لمحافظ الدقهلية الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي بواقعة مصادرة عدة أكياس عيش، دون سند واضح من القانون: هل يستحق حصول مواطن فقير أو معدم على 4 أكياس خبز ولو بغير حق، أن تقوم باقتحام بيته وتصويره فيديو.. فهل قمت باستئذان النيابة قبل دخول مسكن خاص محمي بحكم القانون.
المدهش أن محافظ الدقهلية أظهر نشاطًا ملحوظًا منذ تولى مسئولية المحافظة، ويمكنك بضغط زر على جوجل، أن تطالع فحوى زياراته الميدانية؛ فقد قام على سبيل المثال بالمرور على الأفران وتوعد المخالفين فى قطاعات مختلفة..
وقد قام بتعنيف صاحب مخبز بسبب وزن الرغيف، وحاول التأكد من أصحاب بطاقات التموين، كما سأل بائعًا عن سعر السمك وتفقد مناطق شعبية وقروية للوقوف على حالة المخابز ومتابعة مستوى النظافة ومراقبة الأسعار، وضبط الأسواق، والوقوف على مدى توافر السلع لدى بقالى التموين..
وكل هذا أمر جيد لكن هل من المستحب للمحافظ وهو المفوض بصلاحيات رئيس الجمهورية داخل نطاق محافظته أن يغرق في مثل تلك التفاصيل التي ليست من صميم عمله، بل هي مسئولية البلدية أومباحث التموين أو غيرهما من المرافق..
أليس حريًا به التفرغ لإدارة شئون المحافظة من تعليم وصحة وتصنيع فتلك من معالى الأمور التي ينبغي توفرها في المسئول الرفيع الذي تتعلق وظيفته بالسياسة في أعلى مراتبها.. لو اختار المحافظ مسئولين أكفاء أمناء تكنوقراط لأداء مثل تلك الأعمال ثم تفرغ هو لتقييم الأداء ووضع الحلول بالتعاون مع أهل الاختصاص والفكر والمجتمع المدني لكانت النتائج أكثر إيجابية وقبولًا من الرأي العام.
أما بخصوص اقتحام مسكن خاص لمواطن بدا عليه الفقر الشديد فقد جاء بنتيجة عكسية وخلق تعاطفًا شعبيًا مع هذا المواطن أو المواطنة صاحبة واقعة الخبز، كما أساء للمحافظ وخلق امتعاضًا شعبيًا منه تجسد في كثرة تداول الفيديو إياه وما صاحبه من تعليقات أتمنى لو يقرأها المحافظ أو يقرأها له أحد المقربين المخلصين منه للوقوف على تقدير مناسب للموقف..
وإنى إذ أهمس في أذن المحافظ بأن يترفق بنفسه وأن يراجع موقفه وأحيله والقاريء العزيز لقصة كان بطلها الفاروق عمر، تقول إن ثاني الخلفاء الراشدين خرج يوما فرأى ضوء نار وكان معه عبد الله بن مسعود، فتبع الضوء حتى دخل الدار فوجد سراجًا في بيت فدخل وذلك في جوف الليل، فإذا شيخ جالس وبين يديه شراب ومغنية فلم يشعر حتى هجم عليه عمر..
فقال: ما رأيت كالليلة منظرًا أقبح من شيخ ينتظر أجله، فرفع رأسه إليه فقال: بلى يا أمير المؤمنين ما صنعت أنت أقبح؛ تجسست وقد نُهي التجسس، ودخلت بغير إذن. فقال عمر: صدقت ثم خرج عاضًا على ثوبه يبكي، وقال: ثكلت عمر أمه إن لم يغفر له ربه.
نجد هذا كان يستخفى به من أهله فيقول الآن رآني عمر فيتتابع فيه، وهجر الشيخ مجلس عمر حينًا، فبينما عمر بعد ذلك جالس إذ جاءه شبه المستخفي حتى جلس في أخريات الناس فرآه عمر فقال علي بهذا الشيخ، فأُتي فقيل له أجب فقام وهو يرى أن عمر سيؤدبه بما رأى منه.
فقال عمر: إدن مني فما زال يدنيه حتى أجلسه بجانبه ثم أسر إليه وأقسم بأنه لم يخبر أحدًا من الناس بما رأى حتى عبد الله بن مسعود الذي كان معه، فأجابه الشيخ في أذنه أيضًا فقال: وأنا والذي بعث محمدًا بالحق رسولًا ما عدت إليه حتى جلست مجلسي هذا فرفع عمر صوته يكبر وما يدري الناس لم يكبر؟
وفي الختام أقول إن الرجوع للحق فضيلة، وهي خير من التمادي في عمل ضرره أكبر من نفعه.
قلنا ونكرر.. الحس السياسي مطلوب عند اختيار المسئول.. أي مسئول!