رئيس التحرير
عصام كامل

ألهذا الحد هانت عليكم أنفسكم وبلادكم؟!

الفن هو الجمال والإبداع.. وسيظل الفن علامة مضيئة في تاريخ الأمم والشعوب، ذلك الفن الذي يسهم في تهذيب الذوق العام وترقية النفوس ويبني الضمير ويناقش قضايا المجتمع ويعالجها بطريقة محببة للنفوس، تجذب إليه القلوب والعقول  لترسيخ القيم النبيلة في أذهان الجماهير.

 
أما أن يركز الفن على السقطات والعيوب والخطايا دون أن يقدم رسالة إيجابية تدفع المشاهد أو المتلقي لنبذ هذه النقائص والحرب عليها فهذا مسعى خبيث، يستهدف تكريس الرذيلة بتعويد الناس عليها حتى يألفوها، ولا يأنفون في ارتكابها، وهنا تموت الضمائر وتشيع الفاحشة ويفقد المجتمع وخصوصا الناشئة والصبية بوصلتهم نحو مكارم الأخلاق والبناء والتطور الحضاري.


منذ أيام بشرنا أحد الحسابات على منصة "إكس" ببدء تصوير فيلم النونو للفنان المصرى أحمد حلمى، قبل نهاية هذا  العام، الفيلم يتناول قصة نصاب مصري ينصب على الحجاج والمعتمرين بشكل كوميدي في رحلات الحج والعمرة، والسؤال هنا: أي رسالة يبغى هذا العمل وصناعه توصيلها للناس.. وما القيمة الفنية لتصوير المصري في أدوار نصب واحتيال وإجرام؟!


وكيف يقبل فنان مصري القيام بأدوار كهذه في أفلام تنتجها دولة شقيقة ثم يكون من بين نتائجها تعميق الصورة السلبية لبلده ومواطنيه والحط من شأن المواطن المصري، لا أقول بصورة متعمدة لكن دون داع ولا فائدة فنية أو اجتماعية بكل أسف.. فكيف يقبل وطنى شريف بمثل ذلك العبث بصورة بلاده!


لا أقول إن محاولة تثبيت صورة النصاب والمحتال على أنه دائما شخص مصري في بعض الأفلام هي إهانة متعمدة ولا مقصودة، سلوك غير مقبول، فمصر أكبر من تلك الصورة المشوهة التي يحاول البعض إلصاقها بأبناء هذا الشعب، الذى تحمل الكثير والكثير في خدمة القضايا العربية!


ألم يكن حريا بصناع الفيلم أن يبحثوا في تاريخنا العظيم عن شخصية بطل قومي عروبي حرر القدس وهزم التتار وحفظ للحضارة الإسلامية مكانتها وتراثها الخالد.. هل ضاقت عليكم ذاكرة التاريخ العامرة بالأمجاد لاستدعائها لعلاج هذه الفترة المريرة التي تصارع أمتنا فيها للبقاء وهى في أضعف وربما أسوأ حالاتها؟! 

أم أنه الاستسهال وربما الاستهبال وطغيان المادة على بعض الفنانين الذين لا يدرون أنهم يسيئون   لأنفسهم قبل أن يسيئوا لبلدهم، ويصدرون صورة قميئة مفادها أنهم مستعدون لفعل أي شيء من أجل المادة كما نرى في كل عام سخافات برامج المقالب وتفاهات من يشاركون فيها!


وإننى أتساءل مع السائلين: ألا توجد آلاف الافكار العظيمة مضمونة النجاح والانتشار والتوزيع،  فلماذا هذا التوجه غير المقبول لدى المجتمع المصرى والإساءة إليه والذي لا يخدم إلا أعداء هذه الأمة ؟ 
 

ويلقى السؤال أيضا: ما موقف نقابة المهن التمثيلية من هذا الفيلم الذى يعد إساءة بالغة لمصر والمصريين، وخاصة انه بمشاركة فنانين مصريين.. وهل نرى موقفا من جهة رسمية لوقف تلك الإساءة؟ 


والأهم هل يقبل صناع هذا الفيلم أن يفعل غيرهم عملا مشابها يصور موطني هذه الدولة بمثل تلك الصورة المشوهة والمرذولة.. وإذا كانت الإجابة بالنفي وهي بالقطع كذلك.. فلماذا تقبلون على غيركم ما لا تقبلونه على أنفسهم؟!


ألم يكن الأولى ومن باب الوفاء ورد الإحسان بإحسان مماثل أن تقدموا فيلما يتناول قصة معلم شريف وقدير أو طبيب مصري نابغة أو مهندس نابه عمل في بلادكم وصنع لكم معروف وكتب بعبقريته قصة نجاح ليكون قدوة للأجيال ومحفزا للنجاح بدلا من النصاب الفهلوي.. 

 

 

وفي النهاية نحن أشقاء ولا داعي لمثل هذه الأعمال المسيئة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، فمصر قد تمرض أو تضعف لكنها أبدا لا تموت.. وإذا كان هناك من يقبل من الفنانين المصريين بالإساءة لنفسه وبلده فإن هناك نماذج مشرفة ترفض غواية المال وبريق الشهرة احتراما لنفسها وبلدها.. وهؤلاء هم النجوم حقا.. وليسوا عبيد المال!
متى ينتهي هذا العبث؟!

الجريدة الرسمية