رئيس التحرير
عصام كامل

الموت.. قهرًا!

هل يمكن أن يموت الإنسان قهرًا؟! والإجابة ببساطة: نعم.. يموت الإنسان قهرًا ويفارق الحياة.. وقد يذوق المرء مرارة القهر وهو على قيد الحياة.. عندئذٍ يصبح الحي الميت! وهذا أقسى ما قد يتعرض له إنسان في حياته.. والسؤال: كيف يموت الانسان قهرًا؟! 


والجواب: يموت قهرًا عندما يقف عاجزا، لا يقدر على استيعاب ما يحدث حوله، ولا يقدر على دفع الأذى عن نفسه أو عمن يحب، يموت كمدًا حين لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، لا بيده، ولا بلسانه، وهنا تتسرب الحياة من قلبه، فلا يجد مفرًا من الاستسلام لقاهره؛ فيرضخ صاغرًا وينفذ ما يفرض عليه بلا أدنى قدرة على الاختيار..

 

هنا تنتزع مشيئته ويصبح مسيَّرًا لا اختيار له، لا لشيء، إلا أنه مقهور على التنفيذ، يصرخ ولا يسمعه أحدٌ، ويهتف هتاف الصامتين الذين لا يستجيب لهم أحدٌ إلا رب العالمين.. فهم ممنوعون من إبداء الضجر أو إظهار الرفض.


يموت الإنسان قهرا، عندما يجري انتزاع إرادته في الاختيار.. ويفقد أعز ما أودعه الله في تكوين الإنسان: المشيئة يقول الله تعالى: "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ (الكهف: 29).


يمضى المقهور فاقدًا كل ما في يده، ولا يعرف أين يمضي في غده، يتلاشى إحساسه بالأمان والسعادة وربما يفقد الرغبة في الحياة ويتمنى الخلاص منها.. ساعتها يصبح المرء جسدًا بلا روح، وبنيانًا هامدًا فاقدًا للشغف والإحساس بنفسه وبمن حوله، يستوى عنده الموت والحياة.. لا يدري يومه من غده،؛ لا يبكي على شيء لأنه ببساطة لا يجد ما يبكي عليه!

 
كنا حتى وقت قريب نسمعهم يقولون إن فلانًا مات من القهر، وكنا نعتقد أن الأمر لا يعدو كونه مسألة مجازية لا أكثر ولا أقل، حتى جاءنا العلم بنبأ يقين، حيث أثبت أن القهر سبب حقيقي في الوفاة. والسؤال: هل جرّبت الشعور بالقهر يومًا؟!


والجواب: هناك ملايين المعذبين والمقهورين الذين يموتون قهرًا حينما يشاهدون الفساد بأم أعينهم ويعانون الظلم لكن تبقى صرخاتهم مخنوقة في صدورهم، وحين تضيق بهم الحياة يرحلون في صمت. عندما نستغيث بالعدل ولا نجده وحينما ننشد الإصلاح ولا نحصل عليه.. ألا يفضى مثل ذلك للشعور بالقهر؟


أصحاب القلب الرهيف لا يتحملون القهر فيسلمون الراية ويغادرون عالمنا إلى عالمٍ أفضل تقام فيه موزاين العدل بمثقال الذرة.. يقول الله تعالى: "وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه" (الزلزلة:7).

 


فيا من تظلم وتقهر وتدفع ضعاف القلب لحافة اليأس والموت قهرًا ترفّق بنفسك فغدًا ستلقى الله بأوزارٍ تنوء بحملها الجبال.. ومظالم لا يتسامح فيها رب الخلائق إلا إذا سامح أصحابها وتنازلوا لظالميهم.. فاحذر أن تكون من المفلسين يوم القيامة، فتؤخذ حسناتك وتذهب لمن ظلمتهم فإذا فنيت أخذ من سيئاتهم فحمّلت عليك وقذفت بها في النار.. أعاذنا الله وإياكم من العذاب ومن النار..
رحم الله اللاعب الخلوق أحمد رفعت.. آمين. 

الجريدة الرسمية