رئيس التحرير
عصام كامل

الردّ العليل لا يشفى الغليل!

كل وقت وله أذان، حكمة شعبية تنطبق أكثر ما تنطبق على أيامنا هذه، فمن ينتقد اختيارات بعض وزراء الحكومة وكذلك الهيئات الإعلامية لا يدركون أن زمن القامات الكبرى قد ولى، وأن تراجع الكفاءات وربما انزواؤها أو ابتعادها عن المشهد ليس وليد اللحظة بل هو نتاج عقود وعقود من الإهمال والتراخي والكسل، حتى وصلنا لما نحن فيه اليوم تعثر في الاختيار وعزوف من الكفاءات.


ودعونا نتساءل بصراحة: هل أداؤنا في مختلف المجالات بنفس القوة التى كان عليها قبل عقود، هل ما زلنا نملك ناصية القوة في الفن والرياضة والصناعة والتعليم والإبداع الأدبي.. هل لدينا اليوم أديب بوزن العقاد، أو مطرب بوزن حليم أو أم كلثوم.. أو روائي بوزن نجيب محفوظ.. أو وزير معارف بوزن طه حسين.. 

 

وعلى ذكر وزير المعارف هل ما تشهده وسائل التواصل الاجتماعي من تدفق كبير لمنشورات تتناول السيرة الذاتية لوزير التربية والتعليم الجديد وتشكك فيما حصل عليه من شهادات علمية، يزعم منتقدوها أنها من جامعة وهمية أو ليس لها وجود من الأساس.. ولم تخرج الحكومة للأسف بردٍ شافٍ يقنع ويقطع ألسنة المزايدين والمشككين أو يجيب عن أسئلة الحياري والمترددين.. أو يبعث برسائل طمأنة بأن أهم حقيبة وزارية في يد أمينة لا يأتيها التزوير ولا التلفيق من بين يديها ولا من خلفها..

 

حتى الوزير نفسه حين خرج ليرد على المشككين لم يزد الأمر إلا لغطًا وريبة، فلا هو بدد الشكوك ولا هو قطع ألسنة المتطاولين بحقه ولا هو قال بصريح العبارة إن شهادة الدكتوراة التي حصل عليها من جامعة حقيقية معترف بها دوليًا وأكاديميًا أم مجرد كيان إلكتروني يمنح شهادات لكل من يطلبها لقاء مبلغ معلوم من الدولارات.. 

 

كل ما قاله الوزير إنه حصل على شهادة الدكتوراه، من خلال الدراسة في الجامعة أون لاين، (ويقصد جامعة كارديف سيتي الأمريكية وليس البريطانية وبينها فارق شاسع)، وأنه سجل للدراسة عبر الإنترنت بهدف تعميق فهمه لإدارة التعليم عن بعد، وأن لديه خبرة في مجال التعليم تربو على ربع قرن، ومن ثم -والسؤال من عندي- ما حاجته إلى الشهادة!


الحكومة لم ترد على مزاعم البعض بعدم وجود أي اعتراف رسمي بشهادة جامعة كارديف سيتي أو برامجها الدراسية باعتبارها درجة أكاديمية معتمدة، ولا عن حقيقة الماجستير التى حصل عليها الوزير محمد عبداللطيف وهل تمنح الجامعة المنسوب إليها تلك الشهادة درجة الماجستير من الأساس أم لا؟!


امتناع الحكومة عن الرد يفتح مجالًا للتأويل والتخرصات حول جدية التحقق من السيرة الذاتية للوزراء.. ويفسح المجال للبلبلة والجدل الخبيث، ويطعن في مصداقية منصب مهتمه الأولى أن يكون قدوة ونموذجًا يحتذى للأجيال!  


الصمت هنا ليس فضيلة وكنا ننتظر أن يخرج المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء بوثائق موثوقة تقطع الشك باليقين في مسألة شهادات وزير التعليم!

 


فهل أصبحنا في زمن ضعف الكفاءات أم أننا لا نبذل جهدًا كافيًا للتنقيب عن تلك الكفاءات في كل مجال، أم أن هناك معايير أخرى للاختيار تتقدم على معيار الكفاءة؟ 

مثل الاعتماد على أهل الثقة والمقربين حتى أعطينا الفرصة لكل من أراد التشكيك وإثارة البلبلة في ملفات كان الأحوط أن تنال من الاهتمام والرعاية والتحوط ما يجعلها بمعزل عن سهام النقد والتطاول والتشويه لئلا يبدو المشهد وكأنه يوحى بتراجع الكفاءات وغياب الإبداع والتميز.. 

فمن المسئول عن هذا التراجع.. ولماذا تجاهل الرأي العام بالصمت أو بالرد المتأخر والمتهافت الذي لا يشفى الغليل ولا يقطع الشك باليقين؟!

الجريدة الرسمية