عدو التقدم والتطور والعدالة!
أرجو أن يهتم الوزراء الجدد المعنيون ببناء الإنسان، بصياغة خارطة طريق لتربية الضمير واستعادة الأخلاق الحميدة؛ ذلك أنه لا مخرج من دائرة الإهمال والفساد التي ندور فيها، إلا بإعادة بناء الوعي والضمير ليرفض من تلقاء نفسه أي سلوك منحرف مهما يكن هينًا، بدءًا من إلقاء القمامة في الشارع مرورًا بالغش بكل صوره، وصولًا لإزهاق الأرواح بأي طريقة كانت..
ولن يتحقق ذلك إلا باستراتيجية علمية وحركة مجتمعية موحدة ومتناغمة تنهض بها كل الأطراف المعنية بصناعة الوعي والوجدان حكومية أو غير حكومية، وصولًا لمجتمع خالٍ من الإهمال والفساد والعنف والمرض، مجتمع متماسك بفضائله وقيمه وحضارته الموروثة وتعليمه الجيد الذي جعله الرئيس السيسي في صدارة أولوياته، مجتمع الترابط الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى؛ حتى يظل مجتمعنا في رباط إلى يوم الدين.
الإهمال آفة مهلكة.. لا سبيل للخروج منها إلا بتربية الضمير على الإتقان ومراقبة الله في السر والعلن وتغليظ عقوبة المهمل المتكاسل في عمله ولن يتأتى ذلك إلا بمزيد من التوعية بخطورة هذه الآفة أو بتعديل القوانين والتشريعات لتكون أكثر ردعًا كما تفعل دول كالصين مثلًا التي جعلت الإعدام عقوبة للمفسدين.
الإهمال اعتداء صريح على حقوق الآخرين وأرواحهم.. وليس هناك فارق كبير بين من أهمل عن عمد ومن أهمل جهلًا وتساهلًا أو سهوًا.. فالنتيجة واحدة وهي الخسارة المحققة بدرجات متفاوتة حسب موقع المهل ووظيفته ومدى تأثيرها في حياة الناس.
الكسل وجه آخر للإهمال؛ ذلك أن ترك العمل الواجب هو إهمال وجُرم كبير يتسبب في عناء البشر ويسلب المجتمعات حقها وحظها في التطور والتقدم وإلا ما قال النبي الكريم"إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم " أي يسألون الناس الصدقة!
البداية أن نغير ما بأنفسنا بأيدينا؛ فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولعل ما ننشده هنا هو أن نغير عاداتنا وسلوكياتنا الذميمة، وأن نصحح مفاهيم كثيرة مغلوطة تمكنت من العقول والنفوس، ولتكن البداية بعمل درامي كبير مدروس بعناية يتصدى للإهمال والفساد ويستعيد روحنا الأخلاقية وقيم الولاء والانتماء الوطني والترابط والتعايش وإتقان العمل والاجتهاد في كل حقل حتى يقوى المجتمع وينهض الوطن ويصبح رداءً للجميع.
فهل إصلاح المطبات والحفر في الشوارع يحتاج لميزانية ضخمة.. وهل من الصعب منع الغش وتسريب الامتحانات، وما يتبعها من إهدار لمبدأ تكافؤ الفرص والعدالة في اكتساب الدرجات، ناهيك عن تخريج طلاب غشاشين سوف تصير إليهم أمور الناس في المستقبل؛ فهل يؤتمن طبيب غشاش على صحة الناس، وهل يؤتمن مهندس غشاش على بناء مساكن آمنة للناس.. وهل يدرك هؤلاء خطورة قول نبينا الكريم "من غشنا فليس منا"؟!
الإهمال عدو التقدم والتطور.. وهو المتهم الأول في جرائم وكوارث لا حصر لها.. به تتعطل المصالح، وتهدر الأموال ويتراجع الإنتاج ويضعف الاقتصاد وتتعرض النفوس للمخاطر..
ولا مناص إن أردنا مجتمعًا عفيًا يقظًا من تعليم أبنائنا منذ نعومة أظافرهم كيف يتحملون المسئولية والأمانة لقول النبي الكريم: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
تربية الضمير والحسم في تطبيق القانون ضد المهملين والفاسدين خطوة لا غنى عنها لتحقيق أي إصلاح أو نهضة منشودة.. ويبقي هنا الدور المهم للأسرة والمدرسة والجامعة ومؤسسات المجتمع المدني.