العد التنازلى للوزراء الجدد!
تسلم الوزراء الجدد مهامهم وباشروا وظائفهم.. ربما فرح بعضهم بتولى المنصب وربما يشعر بعضهم بخطورة المهمة.. وفي النهاية فليعلم أي مسئول أن العد التنازلى قد بدأ في مسيرته كمسئول وعليه ألا ينسى في زمرة انشغاله بالأعباء أو بالمكاسب والمغانم وزهوة الكرسي أن الله سائله عما يفعل، وعليه ألا ينسى أيضًا قول النبي الكريم "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي أمر أمتي فرفق بهم فارفق به".. وهذا دعاء مستجاب لا ريب فيه.
وليس الوزراء وحدهم المسئولين في الدولة، فكلنا مسئولون بدرجات مختلفة، فالمواطن المكلف بمسئولية هو مسئول عما تحت يديه، وهي مسئولية لا يشاركه في حملها أحد غيره:" فَوَرَبِّكَ لَنَسۡـَٔلَنَّهُمۡ أَجۡمَعِین عَمَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ" (الحجر:93).
ومن أسف أننا إذا ما تتبعنا أحوال كثير من مجتمعاتنا الإسلامية نجد الإهمال والتسيب يضرب بجذوره في تربتها ويعشش في زواياها ويعيث هدمًا في أركانها.. انظروا مثلًا لمهندسي الطرق وموظفي الأحياء الذين تركوا حفرًا وشروخًا في الطرق والشوارع دون إصلاحها.. كم تسببوا في حوادث وأعطابًا للمركبات..
وانظروا إلى ميكانيكي يهمل في إصلاح سيارة فأضر بصاحبها، وإلى طبيب لم يفحص مريضه بصورة كافية فسبب له مرضًا مزمنا أو عاهة مستديمة حتى الفريق الرياضي الذي لم يتم تدريبه بجدية فتكون النتيجة حصد الهزائم بسبب الإهمال والتسيب وعدم اكتشاف المواهب وصقلها دون محسوبية وهو ما يفسر لماذا ترجع أداء منتخبنا كثيرًا.
وكم أضاع المدير أو المسئول المهمل حقوقًا للناس وأذاقهم معاناة مريرة وعطل مصالحهم ووقف حجر عثرة دون قضائها.. وهو قادر على أدائها دون أن يدري أنه واقع تحت طائلة قول النبي الكريم «مَنْ ولَّاهُ الله -عز وجل- شيئًا مِنْ أَمْر المسلمين فاحْتَجَبَ دُونَ حاجَتِهم وخَلَّتِهِم وفقرهم، احْتَجَبَ الله عنه دون حاجَتِه وخَلَّتِهِ وفقره» قال: فَجَعَل رجلًا على حَوائِج الناس.
ولست أشك أن ما نراه من ضعف في مستويات التعليم والإنتاج وظهور سلوكيات خاطئة إنما هو نتاج إهمال جسيم؛ ذلك أن جودة العمل تتحقق بالإخلاص والصدق ومراقبة الله تعالي الذي يقول في كتابه الكريم "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (التوبة: 105)..
ومن ثم فإن الشعوب لا تتقدم إلا بإتقان العمل وهو ما يجب أن نحرص عليه ونعلمه أولادنا..يقول الله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا"(الكهف:30).
ما تقوم به الحكومة حاليًا من ميكنة للإجراءات خطوة مهمة لتقليل تدخل العنصر البشري، ومن ثم تفادي الأخطاء وتمكين الأجهزة لتقوم بواجبها في غل يد الإهمال والفساد والمفسدين، ولسوف يحسب إنجازًا لتلك الحكومة أو أي حكومة إذا ما نجحت في استئصال شأفة الإهمال والفساد وحماية المجتمع من آثامه وشروره ليس بترصده ومحاربته بل بمنع وقوعه أصلًا..
فالوقاية خير من العلاج وذلك بالتزامن مع تشديد عقوبات المفسدين والأخذ على أيدي المتقاعسين عن أداء واجبهم وكفانا ما عانيناه سنين طويلة من إهمال وفساد وبيروقراطية يضيع معها كل جهد مخلص وعمل دءوب لنهضة هذا البلد..
آن أوان التخلص من معوقات التقدم لاستكمال الجمهورية الجديدة التي يسعى إليها الرئيس السيسي متطلعًا لتوفير حياة كريمة لكل موطن فيها بلا منغصات ولا فساد ولا إهمال.. فهل يتحمل كل منا مسئوليته وينهض بواجبه دون إبطاء أو كسل أو إهمال.. وهل نعلِّم أولادنا أن الإهمال أخطر من الفساد، به تخرب البيوت وتنهار الدول وتفسد المجتمعات!
ويبقي مسئولية من يختار القيادات والمديرين أمام الله.. فحسابهم عسير!