مفهوم الهجرة ومعانيها
مع بداية كل عام هجري جديد نحتفل بهجرة الرسول الكريم عليه وعلى آله الصلاة والسلام من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، والتي تم فيها التأسيس للأمة المحمدية ومنها إنطلقت الدعوة إلى مشارق الأرض ومغاربها.. ومن وقت إلى آخر نستنبط قراءات جديدة لتلك الهجرة المباركة فأحداثها تحمل الكثير والكثير من الدروس المستفادة ومن المعاني السامية والإشارات.
ودعونا في البداية نُعرف معنى الهجرة، الهجرة في لغة العرب هي ترك الشيئ إلى شيئ آخر. أو الإنتقال من حالة إلى حالة أخرى. أو الإنتقال من مكان إلى آخر. والهجرة في المعنى الإصطلاحي هي هجرة الذنوب والمعاصي.
ومن معاني الهجرة أيضا الهجرة من الرجز وهو النجاسة والقذارة الظاهرة والباطنة الظاهرة متعلقة بالجسد والثوب والمكان. والباطنة متعلقة بالنفس والقلب لقول الله تعالى "وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ".
هذا وللهجرة عند العارفين بالله عز وجل أرباب الفهم والفتح الرباني معانى جليلة منها الهجرة من الدنيا إلى الآخرة بالإقبال على الله تعالى، وطرح حب الدنيا من القلب والإقبال الدائم على الله تعالى. والهجرة من المعصية إلى الطاعة. والهجرة من الغفلة إلى الذكر. والهجرة من سيئ الأخلاق إلى محاسنها.
والهجرة بهجر أصحاب السوء إلى مصاحبة عباد الله الصالحين الأتقياء الذين يعينوا على طاعة الله تعالى وذكره. والهجرة مما سوى الله تعالى إليه عز وجل بعدم تعلق القلب بشئ من الدنيا وإسقاط العلائق والأغيار منه..
هذا وقد أجمع العارفين بالله تعالى على أن أهل محبة الله سبحانه وتعالى في حال هجرة دائمة إذ أنهم طالبين لله تعالى قاصدين إياه سبحانه على الدوام.. هذا وفي الحقيقة إن الإنسان منا منذ لحظة مولده ووجوده في هذه الحياة إلى أن ينتهي أجله وإنتقاله إلى عالم البرزخ بعد وفاته، إلى أن يأذن الله تعالى بالبعث والنشور والحساب هو في حال هجرة من عالم إلى عالم إلى أن يلقى الله تعالى.
يقول تبارك في علاه "يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ".. هذا ومن المعاني المستنبطة من الهجرة النبوية المباركة، الحب والتضحية والفداء والبذل والعطاء والصبر والتحمل في سبيل تحقيق الهدف. والعزيمة والإصرار على تحقيق الهدف. والإيثار، والمحبة الصادقة في الله… وبذل كل غال ونفيس إبتغاء مرضاة الله تعالى، ومعاني كثيرة أخرى سوف نتحدث عنها بمشيئة الله تعالى في اللقاءات التالية..
