رئيس التحرير
عصام كامل

مش مهم!

في عالم يموج بالتحديات والمشاغل، قد يشعر الإنسان أحيانًا بالتجاهل أو الإهمال من قبل الآخرين. قد يجد نفسه خارج دائرة الاهتمام، مهملًا، وكأن وجوده لا يُحْسَب. لكن حينما نتأمل في علاقة الإنسان بالله الذي يحبه وخلق من أجله كل شيء ولم يدعه معوزًا شيئًا من أعمال كرامته، نكتشف حقيقة عميقة وجوهرية: أننا دائمًا في حسبته، ودائمًا في جدول أعماله وتحت عنايته التي لا تغفل عننا.

 

في الكتاب المقدس، نجد آيات ومواضع كثيرة تعزز هذا الفهم. ففي سفر إرميا 29:11 يقول الوحي في الكتاب المقدس: "أَنِّي عَرَفْتُ الأَفْكَارَ الَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَفْكَارَ سَلاَمٍ لاَ شَرّ، لأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً".. هنا يوضح الرب بجلاء أنه يخطط لنا الخير، وأنه لم ينسَنا ولم يهملنا بل يرتب الخير والسلام لنا.

 

وإذ فكرنا نروي قصة ولتكن مثلًا قصة سامي، الشاب الذي كان يعيش في قرية صغيرة. نجد أن سامي كان شابًا مجتهدًا ومتفانيًا، لكنه كان يشعر دائمًا بأنه غير مرئي بالنسبة للناس من حوله. في العمل، لم يلاحظ أحد مجهوداته الكبيرة، وفي المجتمع، كان يُعتبر دائمًا في الظل. شعر سامي بالإحباط والخيبة، وكأن وجوده لا يُحْسَب.

 

في يوم من الأيام، بينما كان سامي جالسًا في حديقة القرية يتأمل في حاله، قرر أن يصلي ويفتح قلبه لله. سأل الله بصوت مبحوح: "لماذا أشعر دائمًا بأنني غير مرئي؟ هل أنا خارج حساباتك أيضًا؟"، فأحيانًا عندما نشعر ان الناس أهملونا نصل لمرحلة تجعلنا نحسب أن الله أيضًا قد تركنا مع أن الحقيقة نعلمها أن نست الأم رضيعها فالله لا ينسانا.

 

وفي تلك اللحظة، تذكر سامي قصة النبي إيليا في العهد القديم، وكيف أن الرب كان يراقبه ويرعاه في أصعب لحظاته. بعد أن هرب إيليا من الملكة إيزابل، شعر بالوحدة والاكتئاب. توجه إلى البرية وجلس هناك ومن كم حزنه في ضيقته وقد فاض الحزن في قلبه طلب من الله:  "قَدْ كَفَى الآنَ يَا رَبُّ. خُذْ نَفْسِي لأَنَّنِي لَسْتُ خَيْرًا مِنْ آبَائِي" (1 ملوك 19:4).

 

لكن الرب لم يتركه وحده. أرسل ملاكه ليوقظه ويقول له: "قُمْ وَكُلْ، لأَنَّ الْمَسَافَةَ كَثِيرَةٌ عَلَيْكَ" (1 ملوك 19: 7). ثم أعطاه الطعام والماء ليقويه على الرحلة التي كانت أمامه. لم يكن إيليا خارج حسابات الله، بل كان الله يعتني به في أحلك لحظاته، ولم تكن تلك هي المرة الوحيدة التي اهتم بيها الله بحياته، بل كان يرتب له طعامه وشرابه وقت انقطاع المطر ولم يدعه فريسة للعوز.

 

تأثر سامي كثيرًا بهذه القصة، وأدرك أنه مثل إيليا، ليس خارج حسابات الله. بدأ يشعر بسلام داخلي وهو يتذكر قول داود في المزمور 139: "أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ؟ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟ إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ، وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ. إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ، وَسَكَنْتُ فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ، فَهُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ." (مز 139: 7-10).

 

بعد هذا التأمل، قرر سامي أن يستمر في عمله بإخلاص، لكنه أصبح الآن واثقًا أن الله يراه ويعتني به. وبعد فترة، بدأت الأمور تتغير. لاحظ مديره في العمل تفانيه ومجهوداته، وقرر ترقية سامي لموقع أعلى. في القرية، بدأ الناس يلاحظون سامي ويسألون عن نصائحه، وبدأ يشعر بأن وجوده مهم.

 

هذه القصة تذكرنا بأن الله لا يتركنا مهما كانت الظروف. قد نشعر بالإهمال من قبل البشر، لكن الله يراقبنا ويعتني بنا. كما يقول الوحي في الكتاب المقدس: "وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ" (متى 28:20). فلنحيا بهذا الإيمان واليقين أننا في حسبته دائمًا، وأنه لا يتركنا ولا يهملنا أبدًا.
للمتابعة على حساب الفيس بوك: @pwagiih

الجريدة الرسمية