رئيس التحرير
عصام كامل

المحبة تضر أحيانًا

في قرية صغيرة بعيدة عن صخب المدينة، عاش رجل حكيم يدعى غايث. كان غايث معروفًا بحكمته وحنكته في معالجة الأمور بحكمة واتزان. في يوم من الأيام، جاءت إليه امرأة تبكي بحرقة. كانت تُدعى مريم، وقد تعرضت للغدر من قِبل أحد أقرب الناس إليها، إبنها الوحيد.

 

بدأت مريم تروي قصتها لغايث: يا حكيم، لقد أفنيت حياتي في حب ورعاية ابني، لقد ضحيت بكل شيء من أجله. ولكني اليوم أدركت أن هذا الحب العميق قد أفسده وأضره وأضرني أنا أيضًا معه دون أن أعرف.

 

استمع غايث لها بهدوء، ثم قال: يا مريم، إن الحب هو أعظم عطية من الله، ولكنه يحتاج إلى حكمة وتوازن. إن الحب الأعمى قد يقود إلى الفساد والدمار ومن ثم تجني أنتِ أيضًا من ثماره.

 

أخذ غايث الكتاب المقدس من على رفٍ قريب، وفتح عند الآية التي تقول: "مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي،" (متى 10:37) قاصدًا أن الجدير بالحب الكامل هو الله وحده لأنه أن أحببنا الله من كل قلوبنا قابل هو محبتنا بحب أعظم وأكمل وأجمل.

 

ثم أكمل غايث قائلًا: المحبة الحقيقية تستدعي منا أن نكون حكماء، وأن نضع حدودًا لا نتجاوزها حتى لا نُفسد ما نحبه ومن ثم نضر نحن أيضًا دون أن نشعر أو ندرك ونكون قد ظلمنا أنفسنا قبل أن يظلمنا غيرنا!

 

بعدما انتهى غايث من حديثه، شعرت مريم براحة عميقة وكأن ثقل العالم قد زال عن كاهلها. أدركت أن حبها لابنها كان بحاجة إلى توجيه وحكمة، وليس إلى التعلق الأعمى الذي يؤدي إلى الأذى.

 

فالمحبة هي جوهر الحياة الإنسانية وركيزة العلاقات بين الناس. إنها تلك القوة العاطفية العظيمة التي تربطنا ببعضنا البعض، وتجعل للحياة معنى وأهمية. ولكن، كما أن لكل شيء وجهان، فإن للمحبة أيضًا وجهين: وجهٌ ينير الطريق ويسعد القلوب، ووجهٌ قد يكون مدمّرًا إذا لم يتحلَّ بالحكمة والتوازن.

 

من هنا، ندرك أن المحبة يجب أن تكون محكومة بالحكمة والبصيرة. يجب أن ندرك أن محبتنا للآخرين يجب أن تُبنى على أسس صحيحة، وأن نكون قادرين على التمييز بين ما هو صائب وما هو خاطئ، حتى لا نقع في فخ المحبة العمياء التي تضر أكثر مما تنفع.

 

في النهاية، إن المحبة الحقيقية هي التي تسعى لخير المحبوب، حتى وإن تطلب الأمر اتخاذ قرارات صعبة. هذه المحبة تتطلب منا أن نكون حكماء، قادرين على رؤية الصورة الكاملة، وقادرين على توجيه محبتنا نحو ما هو خير وصالح.
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih

الجريدة الرسمية