رئيس التحرير
عصام كامل

القوي

دستور الأنبا موسى (2)

لم تتوقف نصائح الأنبا موسى الذهبية عند النقاط التي ذكرناها في مقال أمس، بل استكمل عدة نقاط آخرى هامة ومضيئة لحياتنا اليومية والروحية مع الله ومع الناس حولنا، فهو كان كينبوع حكمة لا ينضب بحكم حياته الروحية مع الله والخبرة التي اكتسبها من العيش في البرية بعيدًا عن الشهوة والفكر العالمي.

لا تدين!

وبخصوص الإدانة، أوصى الأنبا موسى أنه على الإنسان ألا يدين أخاه بأي حال لينفذ الإنسان وصية السيد المسيح عندما علمنا في إنجيل معلمنا متى قائلًا: "لاَ تَدِينُوا لِكَيْ لاَ تُدَانُواظ" (متى 7: 1)، فكانت وصية مصحوبة بوعد صريح ونصيحة غالية الثمن.

 

فترك الدينونة لله يتطلب منا تواضعًا عميقًا واعترافًا بأننا جميعًا بشر معرضون للخطأ. عندما ندين الآخرين، نتجاهل حقيقة أننا نحن أيضًا نحتاج إلى رحمة الله وغفرانه. قال المسيح: لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟" (لو 6: 41). 

كإشارة لضعفنا الذي يجب ألا نغفل عنه، ونعلم إن الامتناع عن الدينونة يفتح قلوبنا للمحبة والرحمة، ويمكننا من بناء علاقات قائمة على الفهم والتسامح.


كن صانع سلام

ويخصوص التعامل والعلاقات، لفت نظر الأنبا بيمن لأنه على الإنسان ألا يصنع شرا بأحد، ولكن الامتناع عن صنع الشر يتطلب منا يقظة دائمة ونية صادقة لاتباع تعاليم الله. في عالم مليء بالتجارب والإغراءات، يجب أن نكون مثالًا للخير والسلام. 

قال بولس الرسول: "لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ كُلَّ حِينٍ بِنِعْمَةٍ، مُصْلَحًا بِمِلْحٍ، لِتَعْلَمُوا كَيْفَ يَجِبُ أَنْ تُجَاوِبُوا كُلَّ وَاحِدٍ." (كولوسي 4: 6). إشارة لنا أنه علينا أن نكون نورًا في الظلمة، نزرع الخير والمحبة في كل مكان نذهب إليه.


راقب قلبك

 

وقال أيضًا: "على الإنسان قبل أن يخرج من الجسد أن ينقي نفسه من كل حماقات الجسد والروح"، مثلما قال معلمنا بولس الرسول في رسالته كنصيحة وتعليم عندما قال: "لِنُطَهِّرْ ذَوَاتِنَا مِنْ كُلِّ دَنَسِ الْجَسَدِ وَالرُّوحِ، مُكَمِّلِينَ الْقَدَاسَةَ فِي خَوْفِ اللهِ."" (2 كورنثوس 7: 1)

فتنقية النفس هي عملية مستمرة تتطلب منا التأمل العميق في حياتنا وأفعالنا. هذه العملية تشمل الاعتراف بخطايانا والابتعاد عن كل ما يلوث روحنا. قال معلمنا داود في المزامير ونردد معه كل يوم في صلواتنا في مقدمة كل ساعة: “قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي” (مزمور 51: 10). لذا علينا أن نسعى يوميًا نحو القداسة، ونتطلع دائمًا إلى الله ليمنحنا القوة لنقاوم كل ما يعوق علاقتنا به.


عش بالإتضاع

وأخيرًا نصحه ونصحنا معه أيضًا عندما قال: "على الإنسان أن يكون دائما له انسحاق قلب ومتضع. ويستطيع ذلك من ينظر دائما إلى خطاياه وليس إلى خطايا قريبه بمعونة ربنا يسوع المسيح"، وهذا ليست كلمات ينطق بها من نفسه، بل من خلال تعاليم اباءنا العظام وهو ما يذكره الكتاب المقدس عندما نجد في رسالة يعقوب: "اتَّضِعُوا قُدَّامَ الرَّبِّ فَيَرْفَعَكُمْ" (يعقوب 4: 10).

 

 

فالانسحاق والتواضع هما أساس الحياة الروحية السليمة. عندما نركز على خطايانا بدلًا من أخطاء الآخرين، نتعلم التوبة الحقيقية وننمو في النعمة. بمعونة يسوع المسيح، نجد القوة لتجاوز ضعفاتنا والسير في طريق البر. فهو الذي دعانا وقال لنا: "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ." (متى 11: 28). فعندما نعيش بهذا القلب المنسحق والمتواضع، نجد الراحة والسلام الداخليين، ونقترب أكثر من الله ونجد النعمة في عينيه ويرفعنا هو برحمته.
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih

الجريدة الرسمية