ترسا.. شارع الموت والمغامرة
إذا أردت أن تعرف المعنى الواقعي للفوضى فليس عليك إلا المرور بمحور ترسا أو شارع ترسا الجديد الذي أصبح بديلا لشارع الهرم، وأضحى ممرا مهما للعابرين من الجيزة إلى الدائري أو من الجيزة إلى ميدان الرماية ومن ثم الطريق الصحراوي والعكس صحيح.
في هذا الشارع تجسدت معاني الفوضى كما لم يستطع أي مخرج سينمائي أن يرسم ملامحها، مع غياب تام لما يسمى مجازا قوات شرطة مرورية رغم الزخم الذي يحظى به الشارع من صنوف المخالفات والجرائم المرورية التي لا يمكن لعقل بشري تصورها.
إذا شاء حظك السيئ أن تمر من الشارع فالواجب عليك حتى الانتهاء منه بسلامة الله أن تصلي ركعتي شكر ومثلهما حمدا لله على سلامة المرور، أما تجربتك فلابد أن تدونها للأجيال القادمة أو تسجلها صدقة جارية لمن أراد المرور من ذات المحور باعتبارها دليل نجاة.
الشارع الذي بذلت فيه الدولة جهودا جبارة من أجل توسعته وكلف المصريين مئات الملايين أصبح بلا منافس صورة لحضارة ما قبل التاريخ، وهي تلك الحضارة التي لم نكن نملك عنها تصورا قبل الانتهاء من هذا الشارع الذي كان واجبا أن يكون حيويا فأصبح بفعل الإهمال صورة مزرية لمدنية بلد يمتد تاريخه في عمق التاريخ.
وعلى الرغم من وجود وحدة مرور تحت الكوبري الذي يعلو المحور مارا إلى ميدان الرماية إلا أن هذه الوحدة ينحصر دورها في إقامة كمين كل فترة لحصر عدد من المخالفات، باعتبار أن مرور الجيزة يهدف إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من تسجيل المخالفات، دون الهدف الحقيقي للوجود المروري وهو ضبط أحوال الشوارع قبل انتهاج فكرة تسجيل أكبر قدر ممكن من مخالفات تدر على من لا نعرفهم أموالًا طائلة.
في هذا الشارع المجنون سترى من يمتطون البغال والأحصنة والحمير في وسط الشارع أما التوكتوك فإن له من الحكايات ما لا يمكن أن تتصوره أو تتخيله، إضافة إلى احتلال مساحات من الشارع جعلته يبدو في بعضه ممرا ضيقا ومخنوقا وغير آدمي بالمرة.
عبور المشاة مغامرة محفوفة بالمخاطر، حيث يبدو أن الأسر التي ترتبط بمصالح بين ضفتي الشارع بحاجة إلى شركة تأمين خاصة على الحياة تصيغ وثيقة ولتسميها وثيقة عبور ترسا، فالصور التي تراها وأنت تمر عبارة عن جبلاية قرود يتقافز فيها البشر كما القرود في الغابة.
وخلاصة المشاهد التي يمكنك تسجيلها تفوق في جنونها أفلام الأكشن وخيال المخرجين الكبار في سينما هوليود وبوليود وغيرها من أفلام الحركة التي نشاهدها، باعتبارها خيالا جامحا لا يضبطه واقع.. فقط مجرد خيال مركب للخطر وكل أنواع الجريمة التي تراها حية في شارع واحد.