وذنب غير مغفور
تدهشنى تلك الصور الحية القادمة لمليون وأكثر من ثمانمائة ألف حاج، وهم علي جنبات جبل عرفات، وأياديهم وقلوبهم ومآقيهم تضرع إلى المولى عز وجل في مشهد بديع يتساوى فيه الفقير بالأمير، الكل تأخذه لحظات أمل في الغفران والعودة إلى الديار بلا معاصي.
وأنا بين الدهشة والأماني التي تطول كل عام ، أفكر مليا في كل هؤلاء الذين وفدوا إلي رحلة الخلاص من ذنوب الدنيا، التي حازوها بما اقترفت أياديهم والأموال التي اكتنزوها من حرام، أو تلك المظالم التي ارتكبوها ضد بشر وحيوان وحجر، أتذكر قانون الأخلاق لدى المصريين القدماء.
هل كنت سببا في إيلام حيوان؟ هل كنت سببا في بكاء إنسان؟ هل كنت سببا في عطش نبات؟ وهل وهل وهل، يعدد كتاب الأخلاق ما جاءت به الرسالات السماوية، وما يجرى من البشر ضد البشر، وضد الحجر، وضد النبات، وضد الحيوان، كلها مظالم تحتاج إلى شروط لقبول التوبة.
أنظر إلى ذلك القادم من بلاد بعيدة، وهو يقف مشدوها على قمة الجبل يتضرع إلى الخالق، العادل راجيا النجاة، وطالبا العفو قبل أن يسأل نفسه ذات الأسئلة قبل أن يأتي إلى هنا، إلى أطهر بقاع الأرض ليتخلص من ذنوبه، متصورا أن الأمر هين ، وأن مجرد الوصول إلى عرفة هو النجاة والغفران.
ولأنه الحق ولأنه المطلق فليس من المنطق أن تفكر إن كان سيغفر أو لا يغفر، فالإنسان لا يملك حق التساؤل، مجرد التساؤل، وإن كان من فضول هذا الإنسان أن يتساءل عن حق الناس لدى الناس، وهل فكر القادم من بلاد بعيدة قبل أن يأتي إلى هنا وقبل أن يمتلك جرأة طلب النجاة.. هل كنت سببا في إيلام إنسان أو حيوان أو نبات؟
إن رد المظالم شرط للغفران وشرط لتكون آملا في قبول الطلب والعودة كما ولدتك أمك، وليس بالحج وحده تقبل التوبة، والحج ليس شرطا لتعود إلى دارك كما ولدتك أمك، إذ لابد وأن تعيد للنبات حقه، وللإنسان حقه وللحيوان حقه، قبل أن تأتى إلى هنا وما أدراك ما هنا؟
أعرف أناس يحجون كل عام، ويكلفون أنفسهم عناء السفر وتكاليف الرحلة وهم على أحوالهم، يمارسون الظلم والجبروت ونهب الأموال واستغلال نفوذهم وقوتهم، وفي كل عام يذهبون للتطهر ثم العودة إلى ما كانوا عليه، دون أن يسألوا أنفسهم سؤالا واحدا من أسئلة كتاب الأخلاق لدى القدماء المصريين، أو حتى مراجعة ما جاءت به الأديان السماوية الثلاثة.