رئيس التحرير
عصام كامل

تحرير الرهائن.. فيلم هوليودى

«والأكادة» كما يقولون في العامية المصرية تعبير عن الدهشة أن الغرب المشارك رسميا في قتل عُزل غزة لم يتمكنوا من قتل الإنسانية في شعوبهم ولم يستطيعوا منع شعوبهم من الخروج إلى الشوارع تضامنا مع أطفال غزة، بينما العرب المشاركون صمتا وخزيا وعارا في عمليات القتل استطاعوا أن يمنعونا من كل شيء.


أتابع واحدة من أطهر وأنقى عمليات التحرر الإنسانى فى الجامعات الأمريكية، وأرى أمام عينى ما لم أكن أتصور أن أراه في بلد يعيش على القتل والتدمير.. أرى بوضوح جيلا جديدا من الشباب يتحرر ويحرر بلاده من هيمنة الفكرة الصهيونية البغيضة.


أتابع شوارع الغرب وطوفان البشر الذين لا تزال الإنسانية تسكن قلوبهم النقية يعلنون الغضب ليس دفاعا عن دين أو عرق أو قومية وإنما دفاعا عن الإنسانية، ووقوفا ضد بلادهم التى تشارك في القتل والتدمير والحرق والإبادة الجماعية المقيتة.


أستيقظ على نشرات الجزيرة أحد أعمق قنوات البث الفضائى في تغطية أحداث العدوان منذ اللحظة الأولى وحتى تاريخه، فإن أردت التعرف على وجهة النظر الصهيونية دلفت إلى قناة سكاى نيوز، وإذا ما أردت التوهان في المواقف تابعت قناة العربية، وإن أردت أن أتعرف كيف تدس السم في العسل ذهبت فورا إلى بى بى سى.


وبينما أحقن نفسى يوميا بجرعة كبت لا أستطيع مفارقتها أو العيش دونها على وقع القتل البشع لأطفال في عمر الزهور، يميتنى أكثر ما يلقيه على أسماعنا مسئولون أمريكيون باتت وجوههم ملطخة بدماء الأبرياء من نساء وأطفال وشيوخ يموتون بدم بارد وبمشاركة فعالة من عواصم الغرب ومن واشنطن بالطبع.


بينما أعايش هذه الحالة التى لا أخرج منها ليس بحكم عملى فقط وإنما بحكم إنسانيتى، وإذا بالمتحدث العسكرى الصهيونى يخرج علينا منتشيا فى مؤتمر صحفى ليعلن على العالم أخبار النصر العظيم فيما أسماه عملية بذور الصيف، التى بموجبها حرروا أربع رهائن من مخيم النصيرات.


يتحرك العسكرى الصهيونى متحدثا باسم جيش قتل الأطفال، وهو يتمايل يمينا ويسارا تعبيرا عن انتشاء وهمى وهو يعلن تفاصيل العملية التى راح ضحيتها أكثر من مائتى شهيد فلسطينى وعدد أكبر من الجرحى، لتحرير أربع رهائن من بين أكثر من مائة وثلاثين رهينة لا تزال تحت سيطرة المقاومة الفلسطينية.


وفي مكان آخر من الكرة الأرضية يظهر قاتل تعدى الثمانين من العمر، وهو على مشارف لقاء رب عادل لا أعرف كيف سيواجهه.. يبدو الرجل بابتسامة على درجة حرارة الثلج يعلن منتشيا هو الآخر أن بلاده بكل ما تحظى من جبروت وقوة شاركت في عملية تحرير الرهائن الأربعة.


أما بريطانيا التى كانت عظمى بتاريخها الدموى الاستعمارى، لا يفوتها أن تعلن هى الأخرى أن أجهزة مخابراتها كان لها نصيب كبير في عملية بذور الصيف، تذكرت عندما بدأ العدوان الغربى الأمريكى الصهيوني على غزة عندما كتبت «العدوان السداسى على أطفال غزة».


ست دول كبرى تشارك في عدوان على أبرياء منذ تسعة أشهر كل إنجازاتهم قرابة الأربعين ألف شهيد معظمهم من النساء والأطفال وتدمير أكثر من ثمانين بالمائة من البنية التحتية وبيوت غزة الصامدة.. هذا كل ما حققوه مع تحرير أربعة من الرهائن.


تاريخيا لم يكن الكيان الصهيونى هو المقاتل الوحيد في منطقتنا، وقد بدا ذلك واضحا عندما قال السادات عليه رحمة الله في معرض تبريره لقبول وقف إطلاق النار في حرب أكتوبر المجيدة إنه يحارب أمريكا، ولو كان الأمر في إسرائيل وحدها لسحقناها قولا وفعلا.


وتاريخيا لم تكن العمليات النوعية الناجحة التى قام بها العدو الصهيونى من بنات أفكاره، بل كانت كلها عمليات شاركت فيها أجهزة المخابرات وأسلحة الدول الغربية مع وجود أمريكى فعلى كقاسم مشترك، وهو ما عبر عنه القاتل بايدن بأن إسرائيل هى الكيان الذى اخترعناه ويجب أن يبقى.

 


أتابع باهتمام أكثر مظاهر الاحتفاء بالانتصار العظيم لدول ثلاث شاركت في عملية تحرير أربع رهائن بقواتها وأجهزة مخابراتها وعتادها وطائراتها وأجهزة تحليل معلوماتها وغرف إدارة التجسس التى تشارك فيها بريطانيا وأمريكا مع الكيان المحتل.. أوقن أن النهاية قد اقتربت، وأن الحرب انتهت، وأن الغرب هزم هزيمة نكراء.

الجريدة الرسمية