رئيس التحرير
عصام كامل

القوي

كسر الوصية لتنفيذ الوصية!

كان الأنبا موسى الأسود في الأسقيط معروفًا بتواضعه ونسكه، وقد أعطى وصية للإخوة بأن يُصام لمدة أسبوع، مما يعكس مدى التزامه بالتقوى والعبادة في هذا السياق، مما يظهر عمق إيمانه من خلال قصص متعددة تتناقلها الألسن.

كسر الوصية!

منها تلك التي حدثت حين جاء بعض الإخوة من مصر لزيارته، وحينها بدأ في تجهيز الطعام لهم حتى وهو صائم ولن يستطيع أن يشاركهم في الأكل بحكم الصيام الذي كان مطبقًا على كل رهبان البرية حين ذاك.

 

ولكن عندما لاحظ جيرانه دخان النار يتصاعد من قلايته، أسرعوا إلى الآباء الكهنة وقالوا لهم: أبا موسى قد كسر الوصية وطبخ في قلايته، وكان الوضع غريبًا بالنسبة للجميع، فالجميع يدركون أن الأنبا موسى يلتزم بتطبيق الوصية ويلتزم بالقوانين الرهبانية طوال الوقت، فكيف يمكن أن يكون كسر الوصية! ولكن  كان رد الآباء الحكيم: سنكلمه عندما يأتي يوم السبت.

تنفيذ وصية الرب

وفي يوم السبت عندما تجمع جميع الرهبان في لقاءهم الأسبوعي المعتاد، تجمع الجميع حول الأنبا موسى الأسود، وكانوا يعلمون جيدًا طريقة حياته ومحبته للآخرين، ولكن سألوه عن سر الدخان الذي كان يصعد من قلايته؟ فأجابهم في وداعة: "أتى ضيوفاُ لزيارتي، فالتزمت بالوصية وصمت، وألتزمت بوصية الله بأن أكرم الناس فقدمت لهم الطعام.

فابتسم الأباء الجالسين، وقالوا له: "يا أبا موسى، وإن كنت قد خالفت وصية الناس إلا أنك حفظت وصية الله." بهذه الكلمات، كشفوا عن فهمهم العميق لرؤية أنبا موسى، الذي أراد أن يكرم ضيوفه وينفذ وصية الله ولم يدع ضيوفه في حالة جوع، بل استقبلهم بحفاوة ومحبة حقيقية، كما التزم بتنفيذ الوصية التي أعطت لرهبان إسقيط.

وصية إلهية

وكان القديس أنبا موسى يدرك أن الاستقبال الكريم للزوار هو وصية إلهية، وكان يشعر بأن هؤلاء الزوار قد يكونون في حاجة ماسة إلى الطعام والراحة بعد رحلتهم الطويلة. ولما زاروا آباء آخرين ولم يصنعوا لهم طبيخا بسبب الصوم، كانت قلاية أنبا موسى مفتوحة بفرح لاستقبالهم.

 

عندما تذمر بعض الإخوة، أبلغوا الكهنة، لكن الكهنة لم يلوموا القديس، بل أعجبوا بتدبيره وتعبه وشقاء جسده. فقد كان أنبا موسى يخدم الغرباء بكل حب وإخلاص، مسعى منه لتعويض عن شروره السابقة عندما كان لصًا وبعدما كان بتعب الناس المسافرين، أصبح يستقبلهم بمحبة وبفضل النعمة التي أشرقت في قلبه ويفكر كيف يمكن أن يريحهم؟

درس مهم

ومن خلال هذا الموقف، تجسد درسًا هامًا للجميع: أن الرحمة والمحبة تتفوقان على الشكليات والتقيد الأعمى بالقوانين وأنه لابد من تقديم الرحمة في كل الأفعال وألا نحكم قبل أن ندرك الموقف بكامله وليس فقط من ظاهره، لأنه لقد أظهر أنبا موسى أن إرضاء الله يمكن أن يتحقق من خلال خدمة الآخرين والاهتمام بهم، حتى في أحلك الظروف.

 

 

تلك هي الروح التي كان يسعى إليها الأنبا موسى الأسود، وهي التي تلهمنا اليوم لنكون أكثر رحمة وتسامحًا مع أنفسنا ومع الآخرين وأن نكون مستعدين دومًا لفتح أبوابنا في وجه من يقصدها، وأن نكون ميناءًا لكل من يقصدنا ليجد الرحمة والخير، فعندما يعطيك الله النعمة لتكون سندًا لغيرك، لا تتردد في تقديم يد المساعدة له، بل بادر حتى تكون أيقونة في الخير، مثلما كان المسيح لا يرد كل من يقصده.
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih

الجريدة الرسمية