رئيس التحرير
عصام كامل

القوي

البحث عن الفضيلة

في أرجاء الأديرة وحناياها الهادئة، يتردد سؤال عميق بين الرهبان والمتنسكين: لماذا يوصينا الآباء دومًا بالجهاد لأجل الفضائل ومواجهة الأوجاع والشياطين؟ هذا السؤال الذي يبدو بسيطًا في ظاهره، ولكنه يحمل في طياته الكثير من التعقيد والحكمة التي تتطلب تأملًا عميقًا في معنى الحياة الروحية.

نصيحة الأنبا إيسيذورس 

الاجابة وجدتها وأنا أبحث لأكتب عن قديسنا العظيم الأنبا موسى الأسود، إذ كان الإخوة يجتمعون حول شيخهم، يبحثون عن أجوبة لتساؤلاتهم الملحة: لماذا، رغم كل هذا الإصرار على الجهاد، نصح أنبا إيسيذورس أنبا موسى الأسود بأن يكف عن الصراع مع الشياطين؟ ألا تتعارض هذه النصيحة مع مبادئ الجهاد الروحي التي تعلمناها؟ فأجاب الشيخ بحكمة، لأن موسى كان في البداية يجهل أصول الحياة النسكية.

 

بدأ الشيخ في سرد قصة الأنبا موسى الأسود، ذلك الراهب الذي كان في مقتبل حياته النسكية، مليئًا بالعزيمة والطموح، لكن دون إدراك كامل للمعنى الحقيقي للجهاد الروحي. كانت قوة موسى الجسدية هائلة، فظن أنه يمكنه التغلب على الشياطين بأعماله الجسدية وحدها. كان يجاهد بلا هوادة، معتقدًا أن بإمكانه السيطرة على القوى الروحية ببطولته وجهوده الشخصية.


موسى الخصم الشجاع

رأى الشياطين في موسى خصمًا قويًا، لكنه أيضًا كان غير واعٍ لحقيقة المعركة الروحية. ازدادت الهجمات عليه شراسة، كانوا يهاجمونه ليل نهار، في السر والعلن، محاولين كسره وتحطيم عزيمته. لكن أنبا إيسيذورس، الذي كان يعرف أسرار الروح وعمق الحياة النسكية، أدرك أن موسى يحتاج إلى توجيه مختلف.

إرشاد للطريق

أراد أنبا إيسيذورس أن يرشد موسى إلى الصواب، فقال له: بدون قوة الروح القدس لن تتمكن من هزيمة الشياطين. كانت هذه الكلمات بمثابة نقطة تحول في حياة موسى الروحية. أدرك أنه لا يمكنه الاعتماد فقط على قوته الجسدية وأعماله الشخصية. تعلم أن الاتضاع هو المفتاح، وأن النعمة الإلهية هي القوة الحقيقية التي يحتاجها للتغلب على الشياطين.

 

بدأ موسى في تناول الأسرار المقدسة بانتظام، وصارت أفكاره أكثر تواضعًا. شيئًا فشيئًا، بدأت الشياطين تتراجع، ووجد موسى راحة وسلامًا لم يعرفهما من قبل. امتلأ بمعرفة أعمق وفهم أكثر للحياة الروحية، واكتسب سلامًا داخليًا جعله قويًا أمام أي تحدٍ.

بفضل نعمته

إن كثيرًا من الرهبان قد ظنوا أن أوجاعهم تُشفى ونفوسهم تتعافى بجهودهم وحدها، لكن الحقيقة هي أن النعمة الإلهية هي التي تشفي وتمنح السلام،هكذا قال الشيخ. وأضاف: كما أن المريض بالجسد يحتاج إلى طبيب وأدوية ليشفى، فإن المريض بالخطايا يحتاج إلى المسيح، طبيب النفوس. لا يمكن للإنسان أن يتغلب على أوجاعه بدون قوة المسيح والاتحاد بأسراره المقدسة.

 

كان هذا الدرس عميقًا ومؤثرًا في نفوس الإخوة. أدركوا أن الاتضاع والاتكال على الرب هما المفتاحان لحياة روحية صحية. فقط من خلال وصايا الرب وقوته، يمكن للإنسان أن ينتصر على الشياطين ويشفى من أوجاعه الروحية. هكذا نجد الصحة النفسية ونحقق السلام الداخلي الذي نسعى إليه.

 

 

رحلة مستمرة

في النهاية، تعلم الإخوة أن الجهاد الروحي ليس مجرد معركة ضد الأوجاع والشياطين، بل هو رحلة مستمرة نحو الاتضاع والاتكال على الرب. هي رحلة يتعلم فيها الإنسان أن القوة الحقيقية لا تأتي من الجسد، بل من الروح، ومن نعمة الله التي تمنح القوة والسلام.

للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih

الجريدة الرسمية