رئيس التحرير
عصام كامل

كلمة الحياة

يوسف الغصن المثمر

يوسف، تلك الشجرة التي ارتفعت فوق الحائط حسب سفر التكوين الإصحاح التاسع والأربعون، يجسد لنا مثالًا رائعًا عن الإصرار والأمل وسط الصعاب، فحياته لم تكن سهلة، بل كانت مليئة بالعوائق التي بدأت منذ طفولته واستمرت حتى شبابه.

 

لكن ما يميز أبينا يوسف البار في رحلة حياته عندما نتأمل فيها جيدًا هو عدم الاستسلام في كل مواقف حياته التي مر بها، فقد واجه كل تلك التحديات بشجاعة وعزم، مُظهرًا حبًا وعطاءً لمن حوله، رغم كل ما تعرض له من ألم ومعاناة.

حائط الحسد

أول حائط واجهه يوسف كان حائط الحسد والبغض، فإخوته، بدلًا من أن يكونوا له سندًا، تآمروا عليه لقتله عندما أتى ليفتقد سلامتهم، إذ يقول الكتاب: "فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ مِنْ بَعِيدٍ، قَبْلَمَا اقْتَرَبَ إِلَيْهِمِ، احْتَالُوا لَهُ لِيُمِيتُو" (تكوين 37: 18)، ولقد كانت مؤامرتهم كطعنة عميقة في قلبه، لكن يوسف لم يسمح لهذا الجرح بأن يهزمه، بل ظل ثابتًا في مسيرته.

 

حائط المذلة

ثم جاء حائط مذلة النفس عندما باعه إخوته للإسماعيليين رغم توسله لهم، وهذا ما نجده في الكتاب عندما قال:"وَاجْتَازَ رِجَالٌ مِدْيَانِيُّونَ تُجَّارٌ، فَسَحَبُوا يُوسُفَ وَأَصْعَدُوهُ مِنَ الْبِئْرِ، وَبَاعُوا يُوسُفَ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ بِعِشْرِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. فَأَتَوْا بِيُوسُفَ إِلَى مِصْرَ." (تكوين 37: 28).

 

إذ نجد أن يوسف قُيدت يداه ورجلاه، وأُخذ إلى مصر ليُباع كعبد في سوق العبيد، ويمكن أن نقول أن ما يعبر عن حالة العفيف يوسف حينها هو قول المزمور:"آذَوْا بِالْقَيْدِ رِجْلَيْهِ. فِي الْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ" (مزمور 105: 18)، لكن حتى في هذه الظروف، كان الرب معه، وكان يعضده وينجح عمل يديه كما ذكر لنا الكتاب المقدس: "وَكَانَ الرَّبُّ مَعَ يُوسُفَ فَكَانَ رَجُلًا نَاجِحا... وَأَنَّ كُلَّ مَا يَصْنَعُ كَانَ الرَّبُّ يُنْجِحُهُ بِيَدِهِ" (تكوين 39: 2-3).

 

حائط التجربة المُلحّة

وعندما واجه حائط التجربة المُلحّة من قبل إمرأة سيده، كان امتحانه صعبًا، يومًا بعد يوم كانت تلح عليه، لكنه وقف ثابتًا وقال جملته الشهيرة: "فَكَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟" (تكوين 39: 9)، بهذا الموقف، أظهر يوسف مدى التزامه بالمبادئ الإلهية وكيف كان يهاب الله في كل مواقفه وفي كل أفعاله؟.

 

حائط الظلم

ثم جاء حائط الافتراء والظلم، حيث اتهمته إمرأة فوطيفار زورًا، وأُدخل السجن دون تحقيق،"فَأَخَذَ يُوسُفَ سَيِّدُهُ وَوَضَعَهُ فِي بَيْتِ السِّجْنِ، الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ أَسْرَى الْمَلِكِ مَحْبُوسِينَ فِيهِ. وَكَانَ هُنَاكَ فِي بَيْتِ السِّجْنِ" (تكوين 39: 20). لكن حتى في السجن، كان الرب مع يوسف، ولم يتخلى عنه أيضًا بل كان باسطًا له يد اللطف إذ يقول الكتاب؛ "وَلكِنَّ الرَّبَّ كَانَ مَعَ يُوسُفَ، وَبَسَطَ إِلَيْهِ لُطْفًا، وَجَعَلَ نِعْمَةً لَهُ فِي عَيْنَيْ رَئِيسِ بَيْتِ السِّجْنِ" (تكوين 39: 21).

 

حائط النسيان

وأخيرًا، واجه يوسف حائط النسيان وإنكار المعروف عندما نسيه رئيس السقاة بعد أن فسر له حلمه. "وَلكِنْ لَمْ يَذْكُرْ رَئِيسُ السُّقَاةِ يُوسُفَ بَلْ نَسِيَهُ" (تكوين 40: 23)، ولكن ربما لأنه لم يكن التوقيت الإلهي قد حان بعد، لكن يوسف لم يفقد الأمل في كل هذا، إذ كانت رحمة الله تتجدد له كل يوم فمراحم الرب هي جديدة في كل صباح كما نعلم جميعًا.

 

 

حياتنا تشهد لنعمة الله

لكن يمكننا أن نتعلم من حياة يوسف أن الحياة المسيحية مليئة بالتحديات، لكن النعمة الإلهية كافية لتجاوز كل الصعاب والضيقات مهما بلغت شدتها أو قوتها، وحتى أن كنا نظن أننا ضعفاء ولا نقدر عليها، فنعمة الله هي التي تكمل كل ضعف فينا وتقوينا حتى نكمل في المسير دون خوف ونصل إلى بر الأمان كما قال الرسول بولس: "تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ" (2 كورنثوس 12:9).
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih

الجريدة الرسمية