كلمة الحياة
بيض النعام
بين جماليات الحياة وعجائب الطبيعة، نجد أنفسنا أمام ساحة مفعمة بالحكمة والتدبر، ففي عالمٍ يعج بالكائنات الحية، يتجلى إبداع الخالق في كل تفاصيل الوجود، حتى في الكائنات التي قد تبدو عادية وغير ملفتة للنظر.
ففي رحلة الحياة، نجد أننا محاطون بعجائب الخلق والتنوع الذي يحيط بنا من حولنا، فهل فكرت مثلًا أن تتأمل يومًا في سلوك الطيور، وكيف تحرص كل منها على رعاية بيضها بطريقة فريدة ومميزة حتى أن المزمور كان قال: «العصفور أيضًا وجدَ بيتًا، والسُّنُونة عُشًا لنفسها، حيث تضع أفراخها» (مز 84: 3)، ولكن حتى لو فكرت أو تأملت، ستجد هناك تنوعًا كبيرًا، ولكن بين هذا التنوع الجميل يبرز النعام بطريقة خاصة.
ففيما يتنوع سلوك الكائنات، وتختلف طرقها في العناية بذريتها، نتعجب ونتأمل سلوك النعامة، ذلك الطائر الذي يبدو عليه عدم الاكتراث والتهاون، ولكن بالتأمل العميق نجد أن هناك حكمة كبيرة وراء تصرفاتها.
تترك النعامة بيضها في التراب، بعيدًا عن بيوض الطيور الأخرى في أعشاشها المحكمة، فهي لا تقوم ببناء عش، ولا تحرص على حماية بيضها بنفس الدرجة التي تحرص بها غيرها من الطيور ولكنها بتصرفها هذا تثير فينا الدهشة والتأمل، فكيف يمكن لكائنٍ يعيش في هذه البراري الواسعة أن يترك بيضه بمفرده دون حماية مستمرة؟
تترك النعامة بيضها في تراب الصحراء، دون بناء عشٍ أو تجهيز مكان مناسب له، ولكن ربما يكمن السر في العناية الإلهية، التي تظهر في كل تفاصيل هذه الخليقة الرائعة التي جبلتها يديه ويظل يحافظ عليها حتى وأن قصرت هي في حق نفسها أو سلالتها.
فهي تكتفي أن تحفر حفرة بسيطة في التراب، وتضع بيضها فيها، وتُغطِّي جزءًا منه بالرمال، ولكن هنا تظهر الحكمة الإلهية، فقد عوَّض الله نقص الرعاية ببيض النعامة بقشرة سميكة تحميه من العوامل الخارجية، كما جعلها تضع بيضها في مواقع تصعب وصول الحيوانات المفترسة إليه.
وفي هذا التفاوت بين سلوك الكائنات، نجد إشارةً واضحةً إلى الحكمة الإلهية، حيث يتدخل الله برحمته وحكمته ليعوض عن تقصيراتنا، ويحمي ما خلقه بإتقان، وهذا التفرُّد في سلوك النعامة، يعكس بشكل واضح رحمة الله واهتمامه بكل مخلوق في هذا الكون.
فهو الله الأمين والذي لا ينسى شيئًا، ويعلم احتياجات كل مخلوق، فإذا كانت النعامة تقصر في حماية بيضها، يمن الله بحمايته وإكمال ما تفتقر إليه. إنه الله الحنون الذي يعتني بخلقه بعناية ورحمة لا تضاهى.
إنَّ في عناية الله بخليقته درسًا عظيمًا نحتاجه في تفكيرنا وتصرفاتنا، فالحياة مدرسة لا تنضب من العبر والدروس، وكل مخلوق يحمل في طبيعته نموذجًا يرشدنا إلى الطريق الصحيح إذا عرفنا كيف نستلهم الحكمة والعناية من حولنا، لذا، دعونا نتأمل ونستمتع بعجائب هذا الكون، ونعرف أننا محروسون بعناية الله الذي لا يضيع خليقته، ولا ينسى أحدًا منهم في هذا العالم الجميل المليء بالحياة والعجائب.
وحتى وأن قصرنا في أي وقت في حق أنفسنا لا يتخلى هو عنا، وحتى أن ظننت أنك متروكًا لظروف الحياة وحدك، تذكر يا عزيزي أن صوت الله يهمس لقلبك قائلًا: «هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ.» (إش 49: 15)، وهو معك ولا يغفل عنك.
للمتابعة على قناة التليجرام: @paulawagih