هذا هو البر الحقيقي الذي يجلب السعادة!
كثيرٌ من الناس يضيعون فرصًا ذهبية حين يقصرون في حق والديهم وهم أحياء؛ ثم لا يعرفون قدرهم وقيمتهم إلا بعد رحيلهم أو ربما تزيغ قلوبهم ويظلون سادرين في غيهم، ويفوتون على أنفسهم خيرًا كثيرًا، فالجنة تحت أقدام الأمهات، والأب أوسط أبواب الجنة..
وليس أدل على فضل الوالدين من أن الله جل في علاه قرن طاعته بالإحسان إليهما بقوله: "وقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (الإسراء: 23).
فلا تظن أن بر الوالدين مناوبات وظيفية، بينك وبين إخوتك يمكنكم أداءها على أي صورة، بل ينبغي أن يكون مزاحمات على أبواب الجنة إن كانوا أحياء أو من الأموات، رحم الله من رحلوا عنا وبارك الله في أعمار من هم على قيد الحياة، وهؤلاء كنز عظيم، بهم ينال المرء فرصة ذهبية لنيل البر والرضا والجنة فاحرص على رضاهما ودعواتهما التي نطمع أن تكون مستجابة.
لا تجادل أمك، حتى لو كنت على حق؛ فإذا كان كسب القلوب أولى من كسب المواقف مع كل الناس، فمن باب أولى أن تكسب قلب أمك وأبيك؛ واسمع لقول القائل حين سئل أيحق للرجل أن يتجادل مع أبيه فقال: ولا مع نعليهما!
كيف يكون البر؟
واعلم أن البر ليس مجرد قبلة تطبعها على رأس أمك، أو أبيك، أو على أيديهما، أو حتى على قدميهما، فتظن أنك بلغت غاية رضاهما؛ لكن البر أن تستشف ما في قلب والديك، ثم تنفذه دون أن تنتظر منهما أمرا ولا حتى إشارة.. البر أن تعلم ما يسعدهما، فتسارع إلى فعله، وتدرك ما يؤلمهما، فتجتهد أن لا يرياه منك أبدًا!
البر قد يكمن في أمر تشعر، ووالدتك تحدثك، أنها تشتهيه، فتحضره على الفور، ولو كان كوبًا من الشاي!.. البر أن تحرص على راحة والديك، ولو كان على حساب سعادتك، فإذا كان سهرك في الخارج يؤرقهما، فنومك مبكرًا من البر بهما، حتى لو فرطت في سهرة شبابية، قد تجلب لك سرورًا عابرًا!
البر أن تفيض على أمك وأبيك من مالك، ولو كانا يملكان الملايين -دون أن تفكر- كم عندهما، وكم صرفا وهل هما بحاجة أم لا، فكل ما أنت فيه، ما جاء إلا بسهرهما، وتعبهما، وقلقهما، وجهد الليالي التي أمضياها في رعايتك!
البر أن تبحث عن راحة والديك، فلا تسمح لهما ببذل جهد لأجلك، فيكفي ما بذلاه منذ ولادتك حتى بلغت هذا المبلغ من العمر!
البر هو استجلاب ضحكتهما، حتى ولو غدوتَ في نظر نفسك مهرجًا! فما أسعد المرء إذا رضى عنه والداه وما أشقاه إذا سخطا.. فاللهم إجعلنا من أهل البر، واجعلنا ممن لزم بر والديه أحياءً وامواتًا وارزقنا اللهم بر أبنائنا.. آمين.