المواطن الذي يحلم بالتقاط أنفاسه!
موافقة البرلمان منذ أيام على قانون تنظيم إدارة وتشغيل وتطوير المستشفيات الصحية المعروف إعلاميا بقانون تأجير المستشفيات الحكومية أثارت جدلا، وربما مخاوف لدى البعض من تخلى الحكومة عن رعاية المواطن، وخصوصا الفقير من الناحية الصحية في ظل ما تشهده من غلاء طاحن وارتفاع مستمر في أسعار السلع والخدمات والخامات المستوردة، وعلى رأسها بالطبع المادة الفعالة الداخلة في صناعة الأدوية، التي تشهد بدورها ارتفاعات مستمرة تحت وطأة الدولار..
الأمر الذي يعزز تلك المخاوف ويعطيها سندا قويا من الواقع؛ فإذا كانت الحكومة لم تنجح في وقف غلاء الدواء بصورة حاسمة وسمحت باستشراء ظاهرة نواقص الأدوية التي تسللت للسوق تمهيدا لرفع أسعارها كما جاء على لسان أهل الصناعة أنفسهم، فكيف نطمئن لترك صحة المواطن للقطاع الخاص الذي يبحث عن الربح قبل أي شيء آخر؟!
ورغم تطمينات الحكومة على لسان وزير الصحة لكن تظل هناك تساؤلات حائرة ربما لا تجد لها إجابات قاطعة وإلا فلماذا تتحفظ ولا أقول ترفض نقابة الأطباء مثل هذا القانون.. وهل تم إجراء حوار مجتمعي بصورة كافية قبل تمرير هذا القانون.. وهل التزمت الحكومة بمواد الدستور فيما يخص مخصصات الصحة في موازنتها العامة وهل تضاهي تلك المخصصات أو تقترب من المعايير العالمية؟!
مبلغ علمي أن مخصصات الصحة في الموازنة العامة الجديدة (2024- 2025) تبلغ نحو 200 مليار جنيه، بتراجع في الإنفاق الحكومي على الصحة من 1.24% إلى 1.17%، وفق تقديرات مؤسسة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية..
التأمين الصحي الشامل
رئيس مجلس النواب الدكتور حنفي جبالي اعتبر القانون متوازنا يحقق أهدافه ويخلق حالة توازن بين مصلحة الدولة في جذب مستثمرين، وبين عدم المساس أو الانتقاص من الخدمات المقدمة للمواطن، وعدم الإضرار بالطواقم الطبية.
وأشاد بسعي الحكومة لتطوير المنظومة الصحية وتحسين جودة خدمات الرعاية الصحية المقدمة للمواطن، ونتمنى أن يحدث ذلك! لكن أين هي الضمانات التي تلزم المستثمر أجنبيا كان أم محليا بمراعاة الحالات الإنسانية للمرضى الفقراء، وماذا سيفعل إزاء الغلاء المستمر للخامات والمستلزمات والأجور.. وكيف ستراقب الحكومة عمل القطاع الخاص في القطاع الصحي؟!
كنا نرجو لو أن الحكومة أتعبت نفسها قليلا وضاعفت ميزانيات الصحة والتعليم لسرعة تعميم التأمين الصحي الشامل في شتى ربوع مصر، لتضمن حماية صحية حقيقية لكل مواطن.. أما الرهان على القطاع الخاص فلا يبعث على الطمأنة ولا يجلب رضا المواطن ولا يرفع منسوب الأمان والاستقرار الاجتماعي..
أخشى ما أخشاه أن تترسخ لدى المواطن قناعة أن الحكومة لا تفعل من أجله شيئا وأنها تعامله ليس بوصفه مواطنا جاءت هي من أجل راحته وخدمته بل بوصفه زبونا عليه أن يدفع ثمن كل خدمة تقدمها له، حتى وهي تحمله عبء الضريبة ولا تتوانى عن تحميله فاتورة كل إصلاح..
هذا المواطن وخصوصا لو كان من الطبقة الوسطى التي تتلاشى تحت وطأة الغلاء الساحق أو الفقراء الذين يزدادون فقرا وعوزا في ظل موجات تضخم لا تتوقف، وتراجع غير مسبوق في القوة الشرائية الجنيه الذي يصارع التعويم وبحاره الغريقة.. متى يلتقط المواطن أنفاسه؟!
إذا أردتم تقديم حلول ناجزة لمشاكل الصحة المزمنة في بلدنا الحبيب.. أسرعوا في تنفيذ المشروع المنتظر وهو التأمين الصحي الشامل.. كما وعدتنا الحكومة.. ولا أدري لماذا يسير ببطء غريب، أما غير ذلك فهو نوع من الترقيع.