رئيس التحرير
عصام كامل

أحلام البسطاء تاهت يا أولاد الحلال!

إلتقيت الأسبوع الماضى، بأحد الكبار ممن يتولون منصبا مهما في أحد الوزارات المهمة، فاجأنى بسؤال: إحنا رايحين على فين؟ ويقصد بالتأكيد مصر، والحقيقة أن الكثير من الشعب لا يدرك إلى أين نحن نتجه؟ هل إلى حكم ديموقراطى وحرية سياسية؟ هل إلى حالة من الرخاء وتغيير جذرى في حياة الشعب؟ 

 

دائما على مدى التاريخ، يخاطبنا الحكام من أعلى منصاتهم، أو من خلال ابواقهم، يبشرون الشعب بالرفاهية والرخاء، ولكن على الشعب أن يصبر، فلابد من دفع الثمن بأننا نتحمل شوية أو شويتين، والشعب لا يملك شيئا يفعله، ولا يشعر بأن مجلس النواب أو مجلس الشيوخ بأنهما يعبران عنه، المواطن البسيط تطحنه الظروف دائما، على مدى مائة عام، وكل يوم يستيقظ المواطن على أحلام، ولكنها تتكسر دائما.. 

 

قبل ثورة يوليو 1952 كان الحكام يتركون المواطن فريسة أصحاب المال والجاه، ولم يكن بالطبع على خريطة الدولة، وذلك أن الوطن كله كان تحت حكم المحتل الانجليزى، وكان 90 % من الشعب تحت خط الفقر، وكان المشروع الوطنى للملك فاروق محاربة الحفاء، وعندما جاءت ثورة يوليو 1952، استبشر المواطن خيرا بعد سنوات طويلة من الشقاء والمعاناة.. 

 

ولأول مرة الفلاح يتملك الارض التى كان عبدا فيها، وأصبح العامل مؤمنا عليه وله معاش بعد التقاعد، وإنتشرت المصانع في ربوع مصر، وتم تشييد السد العالى الذى اختير كاعظم بناء هندسى فى القرن العشرين.. 

 

ودخلت الكهرباء القرى والنجوع، وبالرغم من العدوان الثلاثى في 1956، وحرب اليمن، ونكسة 67، كانت حرب الاستنزاف، وبالرغم من هذا استمرت التنمية، ويكفى أن نعرف أن مجمع الالومنيوم بنجع حمادى بنى على خمسة الاف فدان عام 1969، وتم تشييد هذا الصرح ليس من أجل خلق مجتمع جديد متكامل فقط ولكن لاستغلال الطاقة الناتجة من تشييد السد العالى.. 

 

ورحل عبدالناصر أبوالغلابة، ويبدو أنه مات وأخذ معه أحلام الغلابة، وجاء إنتصار أكتوبر ليبعث الروح والأمال في النفوس للمواطن الذى دفع من قوت يومه من أجل المعركة على مدى ست سنوات، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، بعد الانتصار جاء الانفتاح الاقتصادى، الذى بشر به الرئيس السادات ورجاله، وكان ذلك بداية الفشل والفساد.. 

 

وقد أطلق عليه الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين إنفتاح سداح مداح، لانه كان بلا رؤية أو خطة أو منطق مع شعب عاش سنوات من المعاناة من أجل تحرير الأرض، وبدلا من بث الأمال والطموح، جاء الانفتاح بفساد لم تشهده مصر من قبل، وحاول الرئيس السادات بث الأمال عندما حدد عام 1980 سيكون عام الرخاء، فإذا بكارثة رفع الأسعار في يناير 1977، وقيام الانتفاضة الشعبية وتم إلغاء قرارات رفع الأسعار، وإرتبكت السياسات.. 

 

ثم أتى الرئيس حسنى مبارك ليجلس ثلاثين عاما على كرسى الحكم، وبالرغم من أنه قضى ست سنوات نائبا، وكان أمامه تجارب الآخرين وتجارب مصر، إلا أنه قام بتطبيق نفس الفكر الساداتى الذى يعتمد على الرأسمالية المتوحشة، والنتيجة بعد ثلاثين عاما ظل المواطن حبيس أحلامه.. 

 

قيل له الاشتراكية هى المنقذ، وصدق المواطن وخاصة أن مستوى معيشته تحسن، ووجد إبنه فرصة عمل، وعندما قالوا إن الانفتاح الاقتصادى سيجعل مصر مثل أوروبا وسيتحرر المواطن من عبء القطاع العام والقيود الحكومية والروتين، صدق أيضا المواطن، وبمرور السنين اكتشفنا أن الإنفتاح الاقتصادى هو أساس تدمير الصناعة والزراعة وأيضا وهو الأهم تدمير الذمم للمواطنين.. 

 

 

وأكمل الرئيس مبارك أجندة السادات، ووصل الأمر إلى أن الإحباط سيطر على الشارع تماما، وجاءت 25 من يناير، وإعتقد البسطاء أن الحل قد جاء، ولكنه إكتشف أنه ضل الطريق، وفشل الإخوان، وجاءت 30 من يونية، ولا تزال أجندة الراحل محمد انور السادات تحكم بالرغم من رحيله من 43 سنة! وأصبح حلم الرخاء محض خيال.

سؤال: المليون ونصف فدان المزمع الإعلان عنهم، هل سيتم توزيعهم على الفلاحين مثلا ويتم خلق حياة جديدة ومجتمعات جديدة، أم ماذا؟!

الجريدة الرسمية