تراث مصر في مهب الريح!
لن أشعر بالملل أو تضعف همتي، في محاولة إيقاظ النيام أو الغافلين، لأن ذاكرة التاريخ في مصر مهددة بالضياع، بل هناك تفريط وكأنه متعمد لمحو ذاكرة مصر في كل شيء، حتى تتحول مصر إلى دولة بلا هوية، دولة بلا مكانة بين الأمم، فإذا كان الأعداء يخططون ويتآمرون علينا، فهذا أمر طبيعي، ولكن أن يكون الهدم والتدمير بأيدينا، فهذه هي الكارثة..
في لقاء في جمعية محبي الفنون الجميلة، اتفق الجميع -وعلى رأس المتحدثين مدير التصوير العالمي محمود عبد السميع، ومعه الدكتور محسن أحمد، والدكتور وليد سيف، والكاتب الصحفي الأمير أباظة، وعدد من المهتمين بالسينما، ولكن اهتمامهم بتاريخ مصر هو الأهم، خاصة أننا أصحاب الريادة-، أن للأسف ضاعت ريادتنا، ويضيع أمامنا تراثنا ونحن مكتوفو الأيدى، فمن يصدق أن السينما المصرية تعد الأقدم في المنطقة والتي اقتحمت هذا المجال من الفن منذ أكثر من مائة عام.
وقد أشار الدكتور وليد سيف إلى أن البعض يخلط بين المتحف والتوثيق، والمشكلة الأساسية هى التكلفة المادية والروتين، والقلق يتزايد على تراث السينما المصرية الأقدم في عالمنا العربي والأفريقي، وهنا قال الكاتب الكبير الأمير أباظة: الدولة غير جادة في التعامل مع أرشيف السينما، وأكد هذا الفنان الدكتور محسن أحمد، والحقيقة لولا دور الفنان القدير محمود عبد السميع في جمعية الفيلم الذي يحاول بدون إمكانيات إنقاذ ما يمكن إنقاذه..
والحقيقة أنه في لقاء هذه المجموعة الراقية تحدث المبدع الدكتور محسن أحمد قائلا: إن محمود عبد السميع يمثل الجيل العظيم الذي كتب لتاريخ السينما الكثير من الأعمال، الجيل الذي تعلمنا منه، ورحب بنا وسعد بنا، وكان سعيدا بظهور جيلي في الحياة السينمائية، أما الدكتور وليد سيف فقد تحدث عن دور الفنان محمود عبد السميع قائلا: إنه له دور كبير في تاريخ السينما، وتقريبا كل أفلامه حصلت على جائزة أحسن تصوير..
بل إن محمود عبد السميع يدرس السيناريو بحيث يخرج منه ما قد لا يعرفه كاتب السيناريو نفسه، ومن يعرف محمود عبد السميع سيجد أنه خلق لكي يكون مصورا عبقريا، هذا بالإضافة إلى أنه إنسان أصيل ووقوفي معه كان بمثابة إعادتي للحياة في فترة عصيبة من حياتي..
أما الكاتب الصحفي ورئيس مهرجان الإسكندرية السينمائي الأمير أباظة فقال: عندما فكرنا في عمل كتاب في المهرجان عن أفضل خمسة مصورين في تاريخ السينما المصرية، فكان بلا شك يتصدر هؤلاء المبدع محمود عبد السميع، الذي يحاول إنقاذ تاريخ السينما، ولولاه لانتهى دور جمعية الفيلم تماما، كما أن له دور متميز في محاولة تسجيل حرب أكتوبر أثناء الحرب.. بل إنه بدأ منذ حرب الاستنزاف محاولا لتوثيق دور القوات المسلحة، وقدم خمسة عشر فيلم عن قضايا وحياة الجنود على الجبهة..
أما الفنان محمود عبد السميع فقد قال: إننى أحب ما قاله عني صديقي الدكتور محسن أحمد من أنني المصور الوحيد الذى يحترم مصادر الضوء، فالتصوير يعنى أربعة أسئلة هاصور إيه.. وليه.. وفين.. وإمتى؟ ولم يكن غريبا أن يرشحني الصديق محسن أحمد لتصوير فيلم التعويذة بالرغم أنه كان معروض عليه..
وأضاف الفنان محمود عبد السميع: قلة الامكانيات تولد أفكارا وإبداعا عبقريا طالما الفنان موهوب بالفطرة، وأعتقد أن أعظم مدرسة في حياتي كانت جمعية الفيلم أعظم مدرسة تعلمت منها، ومن المفارقات أننى دخلت عالم السينما من باب السيناريو، أما عن تجربتي في الدراما التليفزيونية فكانت مؤلمة، إنهم يقتلون الإبداع، وأنهى حديثه قائلا: تراث السينما في خطر.. فالتراث هو جزء من ذاكرة الأمة.