الفريق الذهبي.. رحيل بطعم الخلود!
في مثل هذا اليوم قبل أكثر من 57 عامًا استشهد الجنرال الذهبي الفريق عبد المنعم رياض، حكيم العسكرية، نسر مصر، وفارسها النبيل الذي ارتقى شهيدًا على جبهة القتال في مواجهة العدو أثناء حرب الاستنزاف التي مهدت للعبور العظيم في أكتوبر 1973..
هذا اليوم صار من أمجد أيامنا.. صار ذكرى خالدة تتجدد كل عام كرمز للعرفان والوفاء لكل شهيد سالت دماؤه في سبيل الله والوطن؛ فالموت في سبيل الأوطان جهاد ينضوى تحت الشهادة؛ فمن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد.
الفريق الشهيد عبد المنعم رياض حفر اسمه في سجل الشرف والبطولة حين أدى واجبه غير آبه بالخطر، فعاش قدوة ورحل رمزا محفورًا في الوجدان الشعبي وفي ضمير الأمة؛ وقد استحق التكريم والخلود؛ حيث كرّمه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ونعاه ومنحه رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية أكبر وسام عسكري في مصر..
ومع تجدد ذكرى الشهيد يتجدد السؤال: هل وفّينا هذا البطل حقه.. هل احتفت به الدراما والسينما بعمل فني يسجل تفاصيل بطولاته وشجاعته وفدائيته واستشهاده وملامح حياته للتاريخ وللأجيال التي لم تعاصره، حتى تتخذه قدوة ومثلًا في حياته، بدلا من محاكاة لاعبي الكرة ومطربي المهرجانات وغيرهم؟!
هل قام الإعلام بدوره في إبقاء ذكراه حية في الذاكرة الشعبية.. هل إذا نزلت إلى الشارع وسألت جمهور المارة: من هو عبدالمنعم رياض.. فماذا ستكون إجابتهم.. ربما تأتي صادمة.. وربما لا ملامة عليهم؛ فالإعلام مشغول بأهل الفن والكرة وخناقات السوشيال ميديا..
لم يكلف الإعلام نفسه تقديم فيلم تسجيلي عن حياة وكفاح وبطولة الشهيد عبد المنعم رياض لتعرف أجيال اليوم كم كان شهيدنا عصاميًا نبيلًا ووطنيًا شريفًا حمل هموم وطنه وشواغله في قلبه، منذ كان طالبًا بمدرسة الخديوي إسماعيل الثانوية وممثلًا لها في اللجنة التنفيذية لطلاب المدارس مع جمال عبد الناصر، والتي نظمت المظاهرات ضد الاستعمار الإنجليزي؟!
لا تملك حين تقلب صفحات البطل الشهيد عبد المنعم رياض إلا أن تشعر بالفخر والإعجاب والامتنان لهذا الرجل الذي لم نوفّه حقه، لنبقيه حيًا في الذاكرة الوطنية نستنهض بعطائه الهمم لنبعثها من مراقد الخمول والكسل واللامبالاة واليأس إلى العمل والحركة والإنتاج والإبداع والتضحية والفداء وحب الوطن وبذل الغالي والمرتخص في سبيله.. وما أحوجنا لهذه القيم!
الشهيد عبد المنعم رياض لم تكن عظمته خبطة عشوائية ولا هي وليدة مصادفة ولا ضربة حظ وإنما نتاج شخصية فذة بذلت جهدًا منظمًا وعملًا دءوبًا منذ شب عن الطوق وعرف معاني الوطنية والكفاح وشرف العسكرية ونبل العطاء، وحين تقرأ سيرته الذكية فسوف تجد في كل سطر فيها ما يستحق عملًا روائيًا أو دراميًا يجسد أمجادنا التاريخية منذ تخرج في الكلية الحربية مرورًا بمشاركته في حرب 48..
تدمير 60% من تحصينات خط بارليف
ثم تمهيد الطريق لنصر أكتوبر العظيم؛ ذلك أنه صمم خطة الحرب "الخطة 2000" التي انبثقت عنها خطة "جرانيت" لاقتحام خط بارليف والوصول إلي المضايق الإستراتيجية في سيناء، ولم تكن حرب أكتوبر إلا تنفيذا متيسرا للخطة "جرانيت" التي وضعها هذا الرجل العظيم.
البطل الشهيد أشرف علي خطة تدمير 60% من تحصينات خط بارليف في حرب الاستنزاف وتحول من خط دفاعي إلي نقطة إنذار مبكر أشرف علي تنفيذها بنفسه، ثم انطلقت النيران علي طول خط الجبهة في 8 مارس 1969 وتكبد الإسرائيليون خسائر فادحة وتدمر جزء من مواقع خط بارليف، حتى نال الشهادة وسط جنوده.
رحم الله الشهيد البطل عبد المنعم رياض الذى أبكى رحيله مصر كلها.. وقد ودّعته الجماهير في موكب مهيب، اختلطت فيه أعمق مشاعر الحزن الدامي، بالإصرار على مواصلة النضال وانتزاع النصر الذي تحقق بفضل تضحيات عظيمة لكثير من الأبطال..
فهل قدم صناع الدراما ومن يتهافتون على شهر رمضان لطرح مسلسلات غارقة في الإسفاف والرداءة والانحطاط أكثر مما تقدم من القيم النبيلة البناءة عملًا يليق بحجم وعظمة الشهيد.. هل سجلوا حياته في عمل درامي يليق بقائد عسكري عبقري قدم لمصر أغلى ما يملك؛ حياته حتى بلغ أعظم مراتب الشهادة.. وماذا ينتظر هؤلاء حتى يبادروا بذلك العمل.. لتعرف الأجيال الجديدة معنى الشهادة ومنزلة الشهيد.. تحية لكل شهداء مصر في يوم الشهيدِ.