رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا غابت ثقافة الاعتذار؟!

هل جربت مرة أن تبادر بالاعتذار لمن هو دونك إذا أخطأت في حقه، أم أنك ترى الأمور بعيون المصلحة  والنفع والضرر.. فمن تأمن شره لا تعيره اهتمامًا، ومن تخشى ضرره لا تملك إلا أن تفعل ما يرضيه.. وهل سألت نفسك يومًا: لماذا ساءت علاقتي بجيراني أو زملائي في العمل أو صديقى أو حتى أحد أفراد أسرتي؟!


هل تراجع نفسك دائمًا بضمير حى، فإذا تبين لك أنك أخطأت؛ فتبادر بالاعتذار لمن أخطأت في حقه، أم تأخذك العزة بالإثم، فتأبى وتصر على غيك حتى لا تتهم بالضعف والمذلة.. وفي المقابل إذا تأكد لك أنك على صواب هل تقبل اعتذار من أخطأ في حقك إذا فعل، وإذا لم يفعل هل تتحامل عليه وتقسو في ردة فعلك نحوه، دون أن تلتمس له عذرًا؟!

Advertisements


للأسف حياتنا أصبحت صعبة، ويزيدها صعوبة بلادة البعض وقسوته وغياب روح المودة والصفاء وغلبة المصالح المادية وننسى للأسف حقائق لا يصح أن تنسى؛ فقد أخطأ من هو أفضل منا، واعتذر من هو أفضل منا، وتقبل الاعتذار من هو أفضل منا..

فضيلة الإعتذار

وهنا واقعة الصحابى الجليل ﺃبى ﺫﺭ الغفاري الذي قال لبلال الحبشي: ﺣﺘﻰ ﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ ﺗُﺨﻄﺌﻨﻲ؟! ﻓﻘﺎﻡ ﺑﻼﻝ ﻣﺪﻫﻮﺷﺎً ﻏﻀﺒﺎﻥ وقال: ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻷرفعنك ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ (صلى الله عليه وسلم)؛ ﻓﺘﻐﻴﺮ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮل ثم قال: يا أبا ذر أعيرته بأمه ؟! إنك امرؤ فيك جاهلية.. ﻓﺒﻜﻰ ﺃﺑﻮ ﺫﺭ وقال  ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﺍﺳﺘﻐﻔﺮ ﻟﻲ، ﺛﻢ ﺧﺮﺝ ﺑﺎﻛﻴﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻭﻭﺿﻊ ﺧﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ.. 

وقال: ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﺑﻼﻝ ﻻ أرفع ﺧﺪﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﺣﺘﻰ ﺗﻄﺄﻩ بقدمك، ﺃﻧﺖ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺃﻧﺎ ﺍﻟﻤﻬﺎﻥ.. ﻓﺄﺧﺬ ﺑﻼﻝ ﻳﺒﻜﻲ ﻭاﻗﺘﺮﺏ ﻭﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺨﺪ ﻭﻗﺎﻝ: ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻻ أﻃﺄ ﻭﺟﻬﺎ ﺳﺠﺪ ﻟﻠﻪ ﺳﺠﺪة ﻭﺍﺣﺪة، ﺛﻢ ﻗﺎﻣﺎ ﻭﺗﻌﺎﻧﻘﺎ ﻭﺗﺒﺎﻛﻴﺎ.
 

أما نحن للأسف فإننا غارقون في التعالى والجفاء والانسياق وراء القيل والقال، لا تعرف مجتمعاتنا ثقافة الاعتذار.. وهنا يثور سؤال ماذا يخسر المجتمع إذا غابت عنه  فضيلة الاعتراف بالخطأ، وبالتالي الاعتذار عن السلوكيات المعيبة؟!


والإجابة: أن الأجيال الجديدة تنشأ على العناد والإصرار وتبنى مواقف خاطئة جدير بكل أب ومعلم وواعظ أن يعلموا صغارنا أن الرجوع إلى الحق فضيلة، وأن الاعتراف بالخطأ سلوك أخلاقي لا يصدر إلا عن أصحاب النفوس القوية، وهو ليس علامة ضعف، بل رجاحة عقل وأمانة ونزاهة وإنصاف وشفافية وصدق في التعامل مع الأمور كلها.


وهنا يثور سؤال آخر: ماذا يكسب الفرد والمجتمع من التمسك  بفضيلة الاعتذار؟
والجواب: أن الاعتذار يحقق للفرد سعادته وانسجامه وتصالحه مع نفسه ومجتمعه، به يتميز العقلاء بالعودة للصواب، وبه  يرتقي النبلاء في محو أثر الزلل، يرفع من قدر صاحبه، وينفي عنه مظنة الكبر، وبه تمسح آثار الحقد والكراهية من القلوب، وتفتح به الأبواب أمام التسامح والتواصل، وهو حصانة قوية للابتعاد عن الخطأ، وعدم المبالاة بمشاعر الآخرين ؛ لذلك فهو مطلب ملح لالتئام الصف، ودوام الوحدة وصلاح المجتمعات.

 


ما أحوج مجتمعات اليوم إلى أن يكون الاعتذار جزءًا من علاقاتها الاجتماعية، ورمزًا من رموز ثقافتها الإسلامية، فهو السبيل لتذويب الخلافات، والتئام  الجروح المتفشية في أوساطنا، حتى يكون خلقًا يُحتذى من غير إجبار ولا تكلف.. تعالوا نتعلم كيف نعتذر إذا تبين لنا أننا أخطأنا؟!

الجريدة الرسمية