عيد الحب الحقيقي!
منذ أيام احتفل العالم بعيد الحب، وهو تقليد قديم تختلط فيه الأساطير بالعادات والتقاليد؛ لكنه صار مناسبة عالمية تحتفل بها الثقافات المختلفة بطرق متنوعة، وربما ينتظره العشاق من العام للعام حتى يعبروا فيه لمن أحبوا عما يجيش بصدورهم من عاطفة رومانسية جياشة نحوهم، ويغتنمه البعض فرصة لإظهار الحب والاهتمام والتواصل مع من يحبونهم..
والسؤال: هل ذاق المحتفلون بعيد الحب، في عامنا هذا طعمًا للحب، بينما تغتال براءة الأطفال وأرواحهم في غزة؟ هل وجد المحتفلون وخصوصًا في الغرب الذي توارث هذه المناسبة من عهود الرومان، طعمًا للحب في قلوبهم بينما يباد إخوانهم في الإنسانية بآلة القتل الإسرائيلية الفاجرة التي تغذيها مصانع الغرب وأمريكا بالسلاح والعتاد والمال والغطاء السياسي؟!
ما أجمل أن يسود الحب بمعناه الشامل بين البشر بعضهم البعض؛ فتلك غاية كبرى سعت لتحقيقها الشرائع والأديان على اختلافها؛ فالله تعالى يقول في قرآنه الكريم: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [سورة الحجرات: 13]..
ولا تخفى أهمية التعارف بين الناس؛ فبه تحدث الألفة والوئام بين الأفراد والمجتمعات، بل وبين أفراد الإنسانية كلِّها؛ فالناس مخلوقون من أصل واحد، مرجعهم جميعًا لسيدنا آدم وسيدتنا حواء، ثم جعلهم الله تعالى شعوبًا وقبائل مختلفة ومتنوعة ليحصل التعارف والتعاون بينهم..
فالإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه، والحياة مبنية على حاجة الإنسان لأخيه الإنسان، وذلك يكون من خلال التعاون المتبادل؛ لذا نجد أن الحق سبحانه قد جعل حكمة خلقه النَّاسَ شعوبًا وقبائل: هو أن يتعارفوا فيما بينهم.
وهنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف).. وفي إنجيل متى يقول: "أحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ".
عيد الرحمة
الحب بمعناه الأشمل ضرورة حياة، فهو رسول السلام والتعايش، وبه تنعقد الألفة والمودة ويتحقق الأمن والسلام ويتحقق الاستقرار والغاية من خلق الناس، لعمارة الأرض وعبادة الله رب الأرض والسماء والملكوت!
أصحاب الفلانتين اختزلوا الحب في معنى رومانسي ضيق بين ذكر وأنثى، وهذا دافع غريزي لا غبار عليه؛ لكن الحب الحقيقي أكبر وأعم وأشمل؛ فحب الإنسان لربه وخالقه يجعل هذا المحب في أرقى درجات الإنسانية؛ فلا يبغى ولا يعتدى ولا يظلم ولا يفتري على خلق الله..
وحب الإنسان لأهل وطنه يجعل مجتمعه متماسكا متجانسًا قويًا وقابلًا للحياة، وحب الإنسان لوالديه أو الوالدين لأبنائهما فطرة فطر الله الناس عليها، لا يشذ عنها إلا المجرمون الجاحدون نعم الله، وحب الإنسان لمخلوقات الله من حيوان ونبات وطبيعة إنما هي عرفان بنعم الله وإقرار بفضله..
وليت صناع الحروب والصراعات والفتن يدركون أنهم يدمرون خلق الله ويحاربون الله وأن بغيهم سيرتد عليهم حسرة ودمارًا يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ۖ مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" لأن وباله راجع عليها.. نرجو أن تستعيد الإنسانية روحها، وأن ينتصر الحب على الكراهية والحقد والانتقام.. حتى نحتفل بعيد الحب الحقيقي بعيدًا عن إراقة الدماء وإبادة الأبرياء لتحقيق أطماع شخصية ومتع زائلة!
وأخيرا كيف يحتفل الفقراء.. وما أكثرهم في هذا الزمان.. وهم لا يقدرون على توفير أدنى متطلبات الحياة.. أتمنى تغيير إسمه من عيد الحب إلى عيد الرحمة.