على جناح بعوضة!
هل سألت نفسك: ماذا تساوى الدنيا عند الله؟! الدنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة، وهى ليست غاية في ذاتها وإنما قنطرة للآخرة.. هى دار للعمل والكد والتعب والابتلاء، "يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ".. فلماذا يتصارع الناس على أقل من جناح بعوضة؟!
وإذا أردنا معرفة الدنيا على حقيقتها فلنقرأ إن شئنا الحديث الشريف عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل.. وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت، فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" رواه البخاري.
والسؤال الأهم: هل هناك سعادة مطلقة في الدنيا؟! القرآن الكريم لم يستخدم لفظ سَعِد ومشتقاتها صريحة لوصف حال أهل الدنيا، بل لوصف حال أهل الجنة الذين فازوا بنعيمها المقيم ورضوان ربهم؛ فسعدوا سعادة حقيقية دائمة لا انقطاع فيها ولا منغصات ولا كربات ولا محن ولا ابتلاءات..
سعادة وهمية
يقول الله تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}(هود:108).. والمدهش أن القرآن استخدم لفظ فرِح تعبيرا عن حالة البهجة والسرور "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ".
والسؤال: هل وجد الصغير حين كبر سعادته، وهل وجد الشاب سعادته في الوظيفة أو الزوجة أو امتلاك البيت أو السيارة أو المال أو غيره من زينة الحياة الدنيا.. أم أن الإنسان كلما تقدم على طريق النجاح والشهرة والمال والمنصب إزداد قلقه على المستقبل وداهمته النزعات حتى ضاقت بها نفسه وشقيت بها حياته، لأن عرض الدنيا الزائل لا يشبع ما لم تكن هناك قناعة ورضا وفهم عميق لحكمة الخالق في توزيع الأرزاق على الناس والغاية التي خلقنا الله من أجلها..
وإذا أردت الوقوف على حقيقة الدنيا فاذهب لأقرب مستشفى وانظر لأصعب الحالات المرضية وأسأل كم أنعم الله عليك بنعم لا تحصى ولا تعد، فذاك مريض يحتاج زراعة كبد أو رئة أو قلب بمئات الآلاف من الجنيهات.. فكم تملك في جسدك هذا أعضاء طبيعية بملايين الجنيهات!
وحتى إذا امتلك هذا المريض أو ذاك أموالًا تغنيه وتحقق له المراد.. فمن يضمن له الشفاء إذا زرع ما يحتاجه من أعضاء، ومن يضمن لجسد المريض الذي يحتاج مثلًا إلى زراعة رئة أن يتقبلها وينسجم معها ولا يلفظها.. ومن يضمن لجهاز مناعتك أن يعمل لصالح بدنك ولا يهاجم نفسه فيعمل مثلا على تكسير صفائحه الدموية التي لا يمكن للمرء أن يعيش بدونها!
الإنسان يشقى بسوء ظنونه وتقديراته، ويشقى بأطماعه وغرائزه، ويشقى بسوء تعامله من نعم ربه وجحوده لها.. وإغفاله حقيقة الوجود والحياة.. فهل فكرت يومًا أن الدنيا كمنزل بالإيجار مهما تظن أنك تملكها فأنت واهم لأنك ببساطة سوف تتركها يومًا ما دون أن تأخذ معك شيئًا للقبر..
فهل تدبرت يومًا مقولة تتردد على الألسنة كثيرًا بأن "الكفن مالوش جيوب".. هل نفع قارون ما أوتى من مال كانت العصبة أولو القوة تنوء بمفاتحه.. مهما ملكت في الدنيا فسوف تتركه لغيرك إلى دار القرار والمستقر إلى الآخرة التي هي الحياة الحقيقية..
يقول الله تعالى: "وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" [العنكبوت:64].. فهل بعد هذا كله نعود لنبحث عن سعادة وهمية في لذة عابرة أو شهوة خاطفة أو نعيم زائل.. أو نتمادى في ظلم الآخرين ونستقوى عليهم بالمال أو المنصب أو الجاه؟!