أوهام الدنيا؟!
هل هناك سعادة حقيقية في الدنيا وهى مجرد بيت بالإيجار، لا نملك من حطامه شيئًا.. هل أخذ أغنى الأغنياء أموالهم وأرصدتهم البنكية إلى قبورهم حين انتهت أعمارهم؟! تجارب الحياة تقول بوضوح: "مفيش حد مرتاح".. الصغير يتمنى أن يكبر، والشاب يحلم بشهادة ووظيفة، وزوجة، وأولاد.. فإذا تحقق له ما أراد تكالبت عليه المطالب والشواغل فلا يكاد يخرج من محطة حتى يدخل أخرى، تحمله الآمال إلى غاية لا تدرك..
بل ربما تكبد مشاق الحياة الواحدة تلو الأخرى حتى يجد نفسه وقد تلاشى العمر وتبدد الحلم مع زحف الشيخوخة وأمراضها إليه، ثم ينظر فلا يجد في يده إلا قبض الريح.. الفقير يحلم بالثراء والسعة، والمريض يرجو شفاء يعيد له لذة الحياة، فإذا أنعم الله عليه بالعافية والشفاء عاد أدراجه ونسى ما كان يدعو إليه، وترك نفسه على هواها، وشقى بغرائزه ونزغات شيطانه.. والغنى يحلم بمزيد من الغنى والثراء..
وهكذا حال ابن آدم منذ خلق الله الدنيا، لو أُعطى واديًا من ذهب لتمنى أن يكون له الآخر ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب.. وفي سيرة الأنبياء ما يقرب هذه الحقيقة الناصعة إلى أذهاننا، وما يروى عن نبى الله عيسى عليه السلام من قصة الرغيف الثالث، ما يجسد حقيقة الإنسان الذي تنازعه نفسه لامتلاك الدنيا، كل الدنيا، بأي وسيلة كانت، وتستهويه الأطماع والشهوات فيغرق فيها ظنًا منه أن فيها نعيمه، ولا يدرى أنها الشقاء وطريقه للهاوية..
كيف نتعامل مع الدنيا؟!
فهل أخذ الأغنياء أموالهم وضياعهم معهم إلى قبورهم أم جمعوها من حلال أو من حرام، ثم تركوها ليتنعم بها غيره ثم يحاسبون عليها لقول النبي الكريم: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ".
غلبة الشهوات على الإنسان ثابتة بقول الله تعالى: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ".
وليس مستغربًا والحال هكذا أن يرسل الله الرسل للناس ليبينوا لها حقيقة الدنيا حتى لا يغتروا بمفاتنها، وحتى يصلوا لسعادة حقيقية يهبها الله لمن يشاء من عباده، إذا ما ساروا على منهجه واتبعوا هداه الذي فيه فقط نجاتهم "أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير" (الملك:14)ُ.
الدنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة، وهى ليست غاية في ذاتها وإنما هي قنطرة للآخرة.. هى دار العمل والكد والتعب، "يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ".. والآخرة هي المقر والمستقر؛ هي دار النعيم المقيم، أو الشقاء والجحيم!!
فكيف نتعامل مع الدنيا؟! يقول ابن عمر رضي الله عنهما: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل.. وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت، فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك رواه البخاري.. فهل أدركنا حقيقة الدنيا وما يجب أن نفعله لئلا نشقى فيها بالظلم والطمع وعدم الرضا بما قسم الله؟! وللحديث بقية.