العدل الدولية تنتصر للإنسانية.. فماذا نحن فاعلون؟!
جنوب أفريقيا قدمت درسًا بليغًا للعرب والمسلمين في الانتصار لقيم النضال النبيل ضد العنصرية والظلم في مواجهة إسرائيل وأمريكا واللوبى الصهيوني الذي لا يؤمن جانبه، وهى القيم التي تبناها ودافع عنها المناضل العظيم نيلسون مانديلا الأب الروحى لجنوب أفريقيا، والذي نحفظ له مقولته التاريخية: "إن ثورة جنوب أفريقيا لن تكتمل أهدافها قبل حصول الشعب الفلسطيني على حريته"..
هكذا كانت جنوب أفريقيا متسقة مع قيمها النضالية حين أقدمت، وهى البعيدة جغرافيًا وعرقيا عن غزة وأهلها، على خطوة خطيرة اختصمت بمقتضاها إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وهى الدعوى التي قضت فيها المحكمة أمس بمطالبة إسرائيل باتخاذ جميع الإجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة، مؤكدة أنه لا يمكن قبول طلب تل أبيب برد الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا.
قرار المحكمة الدولية قوبل بردود أفعال تباينت بين القبول والتحفظ والرفض؛ فوزيرة خارجية جنوب أفريقيا رأته مخيبًا للآمال لكونه لم يلزم تل أبيب بوقف فورى لإطلاق النار، واكتفى بمطالبة إسرائيل باتخاذ الإجراءات لمنع جميع الأفعال، بما فيها القتل والتسبب بالضرر البدني، وبالظروف التي تؤثر على الحياة والدمار المادي، واتخاذ التدابير اللازمة لتقديم الخدمات والمساعدات الإنسانية فورا، وتحسين الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة..
أما أمريكا فقالت إن ما أثير من مزاعم حول ارتكاب إسرائيل للإبادة الجماعية لا أساس له، بينما الاتحاد الأوروبي يرى القرار ملزما يجب تنفيذه، وفي المقابل رحبت حماس بالقرار ورأته خطوة تمهد لقرار آخر أكثر حسمًا بوقف فورى لإطلاق النار..
كما رحبت الدول العربية بالقرار.. أما أمين عام الأمم المتحدة فقد أحال القرار لمجلس الأمن لاتخاذ ما يلزم لتنفيذه.. وأيًا ما تكن النتائج الفعلية لقرار محكمة العدل الدولية على الأرض فهل ستخضع له إسرائيل التي رفضت القرار، ورأته كما جاء على لسان بعض وزرائها، نفاقًا معاديًا للسامية، وهل سيتغير واقع معاناة الأشقاء في غزة التي هي الأسوأ في التاريخ بعد هذا القرار التاريخي؟!
ثمة إجماع على أن إسرائيل لن تلتزم بقرار محكمة العدل الدولية.. فماذا ستفعل الدول العربية والإسلامية للبناء على ما أنجزته جنوب أفريقيًا في المحافل الدولية؟ هل ستنضم لدعواها لتوفير مزيد من الدعم والزخم لتحريك دعاوى أخرى أمام الجنائية الدولية لملاحقة قادة الحرب الإسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم حرب؟!
لقد وفرت محكمة العدل الدولية غطاء قانونيًا يفتح الطريق لمزيد من الجهود المنظمة لتعرية أمريكا وإسرائيل وانتزاع قرار من مجلس الأمن يلزم الأخيرة بوقف إطلاق النار ووقف جرائم الإبادة الجماعية بحق أهالى غزة..
ألم يحن الوقت لاستخدام أوراق الضغط العربية وهى كثيرة لردع إسرائيل ووقف مجازرها في القطاع.. أم لا يزال هناك من يراهن على نجاة نتنياهو واستنقاذه من وحل غزة الذي يغوص فيه هو وجيشه المهزوم لاستكمال مشاريع التطبيع؟!
هل يمكن التفريط في فرصة تاريخية باستعادة الحقوق الفلسطينية التاريخية وردع إسرائيل ويمينها المتطرف الذي يتبنى أطماعا لا حدود لها تمتد من النيل للفرات؟ صدقوني ليس من مصلحة العرب إفلات هذه الفرصة فما زلت أرى أن أهلنا في غزة هم خط الدفاع الأول عن أمننا القومي العربي.. فلا تضيعوا تلك الفرصة!