رئيس التحرير
عصام كامل

متى يعود الطبيب حكيما لا متاجرا بالمرض؟!

وزارة الصحة تركز دائما على الحديث عن حجم إنجازاتها بأرقام تقول كم مواطنا تلقوا خدماتها سواء في مستشفياتها أو قوافلها أو مبادراتها التي تجوب البلاد، وهي بالفعل إنجازات تستحق الإشادة  لكنها لا تكفي للاطمئنان أن كل من يحتاج للعلاج يجده، وأن كل من يحتاج لسرير في مستشفى أو في رعاية مركزة  يمكنه أن يحصل عليه بسهولة ودون معاناة.

 

ومن ثم فهل فكرت وزارة الصحة أن تجيب عن السؤال المعكوس والمهم: كم مواطنا من غير المشمولين بخدمة التأمين الصحي الشامل يفتقد الخدمات الطبية المناسبة لاسيما من الطبقة الوسطى التي تآكلت فعليا بفعل الضربات المتتالية للغلاء الفاحش؟!


بالمصادفة وقعت عيناي على منشور للزميل الكاتب الصحفي أنور الهواري على فيس بوك يرصد أحوال كثير منا رصدا أمينا.. يقول الهواري: “لا أعرف فلسفة الطب المعاصر، لا أعرف كيف ينظر للإنسان، ولا كيف ينظر له لحظة مرضه وتعبه وشكواه، نادر جدا الطبيب الذي يسمع المريض أو يفحصه في أناة”.

 

طب رأسمالي استثماري محايد طائر متعجل قصير النفس قليل الصبر ينظر للمريض من علٍ، أول ما تبدأ تتكلم؛ هات تحاليل كذا، وفحوصات كذا، وأشعات كذا، وينفض اللقاء بين المريض والطبيب.
فاكرين المريض نحلة هتطير فريرة من معمل إلى معمل ومن مركز إلى مركز ومن عيادة إلى عيادة ومن مشوار إلى مشوار من أدنى المدينة إلى أقصاها.

إصلاح المنظومة الصحية

لا يضع في اعتباره تعب المريض وبطء حركته وثقل ذلك على نفسه وعلى من معه، ولا يضع في اعتباره التكاليف المالية التي صارت خارج قدرات أغلبية كاسحة من المصريين، ربما لو تمهل الطبيب واستفسر من المريض عن حالته في الأيام الأخيرة التي سبقت ما استجد عليه من تعب لربما ساعده ذلك في تشخيص سليم عبر استخلاص الأسباب التي أدت إلى التعب.

 
بقيت في المرحلة الأخيرة طبيب نفسي، أتدبر أمري بعقلي، لم أعد استجيب ل هات مناظير وهات تحاليل وهات أشعات وهات رنين وكل هذه البهدلة، فقط أسأل نفسي ماذا أكلت أو بذلت من جهد أو تعاطيت من دواء إلى آخره، وأخلد إلى الراحة، وأصبر على التعب ريثما يزول.

 

وبات عندي اقتناع أن الله خلق جسم الانسان مزودًا بآليات تصحيح ذاتي، يعني الجسم ينتج دفاعات من داخله تصوب مساره وتعيد ترتيبه ووضعه في حالته السوية. الطب مهنة الإنسانية لا الرأسمالية، هو تكميل لنقص البشر لا استنزاف معنوي ومادي لأرواحهم وأبدانهم وأموالهم وحياتهم.


انتهى كلام أنور الهواري لكن الكلام عن المنظومة الصحية في مصر لا يزال في حاجة لمزيد من الحوار المعمق لتمكين المواطن من حقوقه الصحية، بإصلاح جذري لن يتحقق إلا بتأمين صحي شامل يضمن العدالة في حصول المواطنين كل المواطنين فقراء وأغنياء على خدمات طبية وعلاجية بمعيار واحد وبتكلفة في المتناول.

 

فمثل هذا الملف الخطير هو ما ينبغي أن تتضافر الجهود لإنجازه خصوصا في ظل غلاء كل شيء من تحاليل وأشعات وأدوية وفيزيتا الأطباء التي لا تخضع لمعايير وتغيب عنها الرقابة.. نرجو من الحكومة والبرلمان وكل أطياف المجتمع وقواه الحية أن تتنادى لحوار معمق وفعل ناجز لإنجاز مشروع التأمين الصحي الشامل في أسرع وقت.

 

حتى لا نترك المواطن وخصوصا الغلبان نهبا للغلاء وجشع بعض الأطباء معدومي الضمير الذين حولوا المهنة الإنسانية الرفيعة لتجارة ومكسب دون مراعاة أنهم يتعاملون مع مرضى يتجرعون مرارة المرض وآلامه وقسوة الغلاء وجشع التجار في كل مكان.

 

 

كلنا مطالبون باستعادة الوجه الإنساني لمهنة الطب ليكون الطبيب حكيما يداوى النفوس بسعة صدر ورأفة تخفف متاعبهم باللين والإصغاء لشكواهم بعمق وتطمينهم ودعمهم نفسيا لعبور المحنة.. وهل هناك أصعب وأشق على النفس من محنة المرض.. وليعلم كل طبيب أنه إنسان معرض للمرض وفقدان الصحة وأن صنائع المعروف تقي مصارع السوء!

الجريدة الرسمية