رئيس التحرير
عصام كامل

الحب سر الله في الوجود

مما قد لا يعرفه البعض أن الأصل في العلاقة بين الله تعالى وعبادة الحب. فمن المعلوم أنه عز وجل ليس له أدنى علة ولا عوز ولا إحتياج لعباده وخلقه لا فيما خلق وأوجد ولا فيما أمر ونهى ولا فيما قضى وقدر. فالله تعالى موجود بذاته وهو الأول بلا ابتداء والآخر بلا انتهاء، كان الله ولا شيء معه.  

 

وهو القائم بذاته سبحانه. الغني بذاته عن من سواه وهو تعالى في تمام الاستغناء عن جميع خلقه وكل العباد والخلق مفتقرين ومعوزين إليه سبحانه وتعالى. وهو جل جلاله القائل "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ". 

 

والقائل أيضا سبحانه في الحديث القدسي "يا عبادي إنكم لا تملكون نفعي فتنفعوني ولا تملكون ضري فتضروني". والخلائق كلها لا يملكون جلب النفع لأنفسهم بأنفسهم ولا دفع الضر عن أنفسهم بأنفسهم. إذ أنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 

 

وتأكيدا لذلك قوله عز وجل  في الحديث القدسي "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على قلب أتقى رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على قلب أفجر رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم سألوني في صعيد نفس واحد وأعطيت كل سائل مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا إلا كما يأخذ المخيط من البحر". 

المستحق للحب الأكبر

هذا والله تعالى حينما أعلن مراده الأول والذي انبثقت على أثره كل المرادات الإلهية. مراده من خلق خلقه أشار سبحانه وتعالى إلى الحب حيث قال تعالى في الحديث القدسي "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني". 

 

ولننتبه هنا إلى قوله سبحانه فأحببت. فكلمة أحببت فيها إشارة إلى أنه تعالى محب بذاته لذاته سبحانه فأراد أن يجلي ذلك الحب فشرع سبحانه في خلق الخلق حتى يظهر محبته تعالى لذاته من خلال عباده وخلقه.. 
 

ثم أنه تبارك وتعالى قد جعل الحب هو الأساس في عبادته وطاعته عز وجل حيث يقول تعالى "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ". هذا ومن مظاهر محبة الله عز وجل للعباد أنه تعالى قد شملهم بعطفه ورحمته فبسط لهم يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. 

 

وأنه تعالى قد كتب على نفسه الرحمة. وأنه سبحانه يستر ويغفر ويتوب ويعفو عن المسيئين من خلقه ولا يعاجلهم بالعقوبة وأنهم يصيبهم بالابتلاء حتى يطهرهم من الذنوب والخطايا. ومن محبته لعباده وخلقه أنه تعالى أرشدهم إلى سبيل السعادة والآخرة وحينما كلفهم بالعبادة أنزل إليهم المناهج والرسالات وبعث إليهم الرسل عليهم السلام. ورضي لعباده الإيمان وحببه وزينه في القلوب.

 

وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان وما كان ذلك إلا محبة منه سبحانه لهم. ومن مظاهر محبته تعالى لعباده أيضا. أنه عز وجل لم يقنطهم من رحمته مهما بلغت ذنوبهم ومعاصيهم ثم أنه تعالى فتح لهم باب التوبة والإنابة وتكرم على المسئ التائب بتبديل سيئاته بالحسنات. 

 

هذا ولا قيمة لعبادة عابد ولطاعة مطيع إن لم تكن عبادته وطاعته بدافع الحب الخالص له تعالى ولذا لم يكره سبحانه أحد من خلقه على الإيمان وعلى طاعته.يقول سبحانه "فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"، ويقول تعالى "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ". 

 

ولقد كان من عطفه جل جلاله على عباده وحنوه عليهم أن دعاهم إلى محبته وهو الغني عنهم حيث قال عز وجل في الحديث القدسي “عبدي إني لك محبا فبحقي عليك كن لي محبا. عبدي كنت لك من قبل أن تكن فكن لي بعدما كنت أكن لك على الدوام”. 

 

 

هذا والله تعالى هو المستحق للحب الأكبر فهو سبحانه المتفضل على العباد بنعمة الخلق والإيجاد وهو الذي منه وبه النعم والإمداد "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ" ثم أنه الذي إليه المآل والمرجع والذي بيده سبحانه الحساب. اللهم ارزقنا محبتك وتكرم علينا بوصلك وقربك.

الجريدة الرسمية