فضل الله وجحود البشر
من فضل الله عز وجل على البشر أنه تعالى تفضل عليهم بنعمة الخلق والإيجاد وأسبغ عليهم من النعم ما خرج عن الحصر والتعداد، وصدق تعالى إذ قال "وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ" وقوله تبارك في علاه "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا".
هذا ومن فضله سبحانه أن منحهم نعمة العقل والعلم والبيان ولم يهملهم بل عرفهم حكمته تعالى في خلقه لهم ومراده منهم، فقال عز من قائل "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، وعرفهم كيف يعبدونه سبحانه، فأنزل الكتب والرسالات السماوية، واصطفى من بني جنسهم أنبياء ورسل كرام عليهم السلام، وكلفهم بتبليغ رسالاته وتعليم عباده كيف يعبدونه وجعلهم منارات تنير لهم السبيل إلي السلامة في الدنيا والفوز والنجاة والسعادة في الآخرة.
وأودع سبحانه وتعالى في المناهج والرسالات السماوية كل أسباب سعادة البشر واستقامة الحياة وإثراء الحياة على الأرض، والتي جعلها سبحانه مناط الخلافة والتكليف. ولقد حوت تلك الرسالات كل الكمالات ودعت إلى كل مكرمة وفضيلة ونهت عن كل فاحشة ورذيلة. وذلك من خلال ما أمر به عز وجل وما نهى عنه سبحانه وما شرعه من أحكام وحدود واقضية وعلاقات ومعاملات وما تصح به العبادات والمعاملات.
وصدق تعالى إذ قال "مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ". وشاء سبحانه أن يختم رسالاته السماوية برسالة الإسلام تلك الرسالة التي حوت مضامين الرسالات السماوية السابقة، والتي أشار عز وجل إلى كمالها وتمامها بقوله تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ ".
صفات رسول الله
ولقد كان من كمالها أنها لم تهمل أي جانب من جوانب الحياة ولا أي شأن من شؤون الإنسان. ولقد كان من فضل الله جل جلاله أن اجتبى لرسالة الإسلام صفوة الأنبياء وسيد المرسلين وأحب الخلق إليه عز وجل، وأكرمهم عليه سبحانه سيدنا محمد على حضرته وآله وصحبه أفضل الصلاة وأتم السلام.
ولقد أهله سبحانه لتلك الرسالة فأدبه بأدبه تعالى عز وجل وإلى ذلك أشار عليه الصلاة والسلام بقوله "أدبني ربي فأحسن تأديبي"، ولما لا وهو المتأدب بالآداب الربانية والمتخلق بالأخلاق القرآنية وهو المشار إليه من الله عز وجل بالارتقاء فوق الخلق العظيم حيث يقول سبحانه "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ".
ولقد أشار إليه سبحانه بالنبي النور حيث قال تعالى "قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ" وجعله سبحانه شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إليه بإذنه وسراجا منيرا، كما جاء في قوله عز وجل "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا".
هذا وقد جعله الله تعالى رحمة للخلائق لقوله تعالى "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ". ولقد زكاه الله إجمالا وتفصيلا. ففي الإجمال يقول سبحانه "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، وفي التفصيل يقول تعالى في عقله "مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى"، وفي لسانه الطاهر المطهر الصادق يقول سبحانه "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى".
وفي بصره وفي نوره وثباته وأدبه مع الله تعالى وحياءه يقول سبحانه "مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى". وعن قلبه وفؤاده وصدق ما رآه في ليلة إسرائه ومعراجه ولقاءه بربه تعالى ومولاه جل في علاه يقول جل ثناؤه "مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى".
وفي قوته الروحية يقول تعالى "إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا" في حين أن الجبال برسوخها وقوتها لا تقدر أن تتحمل كلام الله وقرآنه. يقول سبحانه "لَوْ أَنـزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ".
هذا ولقد زكى الله تعالى بعثته فقال سبحانه "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ". وفي الختام ما أكثر نعم الله وما أقل الشاكرين من العباد.