الفن وسنينه
أزمة الورق شماعة الفنان البليد؟
لا شك أن الورق أو السيناريو بلغة السينما والتليفزيون، أو النص بلغة المسرح هو العنصر الأساسي والأول في ظهور عمل فني جيد أو ضعيف، وبدون الورق المتميز لا يستطيع أعظم ممثل أو مخرج أو منتج في العالم أن يفعل شيئًا ويقدم عملًا محترمًا!، ففي العصر الذهبي للسينما المصرية خلال حقبتي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كانت هناك ما يشبه بحالة التخمة من ناحية الكم والكيف في القصص والروايات الصالحة لأن تتحول لأعمال سينمائية، لوجود كتاب مثقفين ومبدعين كبار..
ومن ثم شاهدنا أجمل الأفلام التي أصبحت من كلاسيكيات السينما ومازلنا نستمتع بها حتى الآن مثل.. رد قلبي ليوسف السباعي، دعاء الكروان لطه حسين، الثلاثية لنجيب محفوظ، الحرام ليوسف إدريس، قنديل أم هاشم ليحيى حقي، شيء من الخوف ل ثروت أباظة وغيرهم من عمالقة الأدب، وبدرجة أقل وفي مرحلة لاحقة مع ظهور التليفزيون وجدنا مسلسلات رائعة رغم ضعف الإمكانات، منها.. هارب من الأيام، الضحية، القط الأسود، غصن الزيتون، أبنائي الأعزاء شكرًا لكبار الكتاب..
ثم استمر الإبداع التليفزيوني مع أعمال وحيد حامد وأسامة انور عكاشة ومحمد جلال عبد القوي ويسري الجندي حتى نهاية التسعينيات، ونفس الكلام وإن اختلف قليلًا ينطبق على المسرح الذي ازدهر حتى نهاية الثمانينيات بكتابات نعمان عاشور، لطفي الخولي، سعد الدين وهبه، الفريد فرج.
تراجع مخيف
بدأ التراجع التدريجي في السينما والتليفزيون والمسرح مع عصر الانفتاح وحدوث تغير في منظومة القيم والأولويات بشكل سلبي، ثم أخذ هذا التراجع في الازدياد شيئًا فشيء وبلغ ذروته خاصة في السينما مع حقبة التسعينيات حتى وصل إلى ما نحن عليه الآن..
مع رحيل أخر جيل المبدعين الحقيقيين من الكتاب أمثال.. أسامة أنور عكاشة ومحمد صفاء عامر ويسري الجندي ومصطفى محرم ووحيد حامد والفريد فرج وغيرهم وصعود مجموعة أخرى من المؤلفين الجدد الذين معظمهم من محدودي الموهبة وأنصاف الموهوبين وظهور ما يعرف ب ورش التأليف، التي هي أحد العوامل الرئيسة في ضعف وسطحية وإسفاف ما يقدم من أعمال سينمائية وتليفزيونية في السنوات الأخيرة،..
وذلك على الرغم من توافر الإمكانات المادية والبشرية الكبيرة والتطور الملحوظ على مستوى الصورة والشكل بفعل التقنيات الحديثة!، ولكن مع الدور الرهيب والخطير الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا وسيطرة الكتائب الإلكترونية عليها صارت كثير من تلك الأعمال تحقق رواجًا ونجاحًا خادعًا على المستوى الجماهيري دون المستوى الفني، الذي صار محزنًا وفي حالة يرثى لها خاصةً مع الطفرة الملفتة التي شهدتها السينما والتليفزيون والمسرح في أغلب الدول العربية الشقيقة التي كانت تحبو ونحن في أوج ازدهارنا الفني!
الأمل قائم
رغم كل ما سبق إلا أن هذا لا ينفي وجود مجموعة متميزة من الكتاب على قلتها الشديدة والتي تعكس حجم التراجع لدينا على مستوى المضمون المقدم!، أمثال عبد الرحيم كمال ومدحت العدل ومريم نعوم وشيرين وخالد دياب وباهر دويدار وأحمد مراد ومحمد سليمان عبد المالك، يمكن لهم بمساعدة النجوم الموهوبين المثقفين وهم يعدون على أصابع اليد الواحدة للأسف والمخرجين الجادين والمنتجين المحترمين المعدودين أيضًا، الارتقاء بمضمون المنتج الفني الذي يطرح للجمهور على اختلاف مستوياته واهتماماته..
مع العودة إلى الاستعانة بأعمال وروائع عمالقة الأدب المصري وما أكثرها عبر التاريخ وأغلبها لم تتحول إلى أعمال فنية سواء سينما أو مسرح أو تليفزيون وأعتقد أن هناك عدد من كتاب السيناريو الذين يمكنهم الاضطلاع بهذه المهمة بكفاءة، مع البحث عن روايات المميزين من شباب الأدباء الجدد أيضًا وتحويل ما يصلح منها لأعمال فنية..
وبهذا نجد الحل السحري لأزمة ندرة الورق الجيد تلك الأزمة المزعومة، الذي كان أحد مسببيها النجوم من جيل الألفية الجديدة الذين يفتقد معظمهم إلى الثقافة والوعي والهدف ومن ثم يؤثر الاستسهال وتقديم أفضل ما يقدم له من وجهة نظره 'أحسن الوحشين'!
خاصةً من دائرة شلته ومعارفه دون التعب في البحث عن سيناريوهات وأفكار مختلفة وطازجة وصالحة تفيد الناس وتعبر عن مشاكلهم وشواغلهم وطموحاتهم مثلما كان يفعل الفن في حقبات سابقة، وهو ما يجعلني أقول أن ندرة الورق الجيد ما هي إلا حجة وشماعة البليد سواء كان ممثلًا أو مخرجًا أو منتجًا!.