القدوة في زمن التريند!
القدوة مهمة في التربية، ومن دونها تصبح العملية التربوية ناقصة ومبتورة، فلا تكفي الكلمات والمواعظ لصلاح الإنسان، ذلك أن الشخص لابد أن يرى تلك الكلمات سلوكا متجسدا في الحياة.. وحين سئلت السيدة عائشة –رضي الله عنها- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان خلقه القرآن"، أي أن تعاليم القرآن تحولت إلى سلوك بشري يراه الناس رأي العين.
في كتابه "كيف يفشل الأطفال؟" يقول عالم التربية الأمريكي جون هولت: "ليس علينا أن نجعل البشر أذكياء، فقد ولدوا أذكياء، كل ما علينا فعله هو التوقف عن فعل الأشياء التي جعلتهم أغبياء".. الأمر الذي يعني أن القدوة هي التي تنفخ الروح في الكلمات والمواعظ، وتجعلها قابلة للحياة.
والسؤال: كيف يختار الشاب قدوتهم.. وهل كل ما يحبه الشباب وينجذبون إليه يصح أن يكون أسوة حسنة أو قدوة صالحة تستحق المحاكاة والتقليد وبناء القناعات والخيارات الحيايتة.. السؤال ينقلنا لسؤال آخر أوسع وأشمل: كيف تُصنع القدوة في المجتمع؟!
القرآن الكريم اختار لنا القدوة الحق وحددها تحديدًا دقيقًا بلفظ "أسوة" لمن أراد صلاح الدين والدنيا.. يقول الله تعالى: "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ" (الأحزاب:21)
البشر كلهم يخطئ ويصيب وكل الناس يؤخذ منه ويُردّ عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: "لا يكُنْ أحَدُكمْ إمَّعَة، يقول: أنا مع الناس، إن أحْسنَ الناسُ أحسنتُ، وإن أساءوا أسأتُ، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم إن أحسنَ الناسُ أن تُحْسِنُوا، وإن أساءوا أن لا تَظلِمُوا».
مأزق القدوة العابرة
والسؤال: هل بقيت القدوة على حالها أم ابتعد الناس شيئًا فشيئًا عن المنهج الرباني وتغيرت المفاهيم والقدوة؟ واقعيًا.. تغير مفهوم القدوة حتى وصلنا لزمن صار نجوم الفن والرياضة ومطربو المهرجانات وغيرها نماذج يقلدها الشباب في الملبس والمظهر وربما طريقة الكلام.. شئنا أم أبينا!
وهنا يثور سؤال: هل من حق هذا الفنان أو اللاعب المشهور صاحب الجمهور أن يفعل ما يشاء في حياته الخاصة.. أم أن للشهرة ضريبة ينبغى للمشاهير أن يراعوها وحق المجتمع من حولهم حتى لا يسهموا في تردى وانحطاط أخلاق هذا المجتمع؟!
لقد دار الزمن دورته.. ولم يعد السؤال: هل يصح اعتبار الفنانين ونجوم الكرة قدوة للشباب؟!
فالواقع تجاوز مثل هذا السؤال بكثير.. حتى صار التساؤل: كيف يمكن للفنان أو نجم الكرة مثلًا أن يحافظ على صورته وتهذيب سلوكه الشخصي حتى لا ينفلت فينفرط عقد جمهوره ويخرج عن حدود القيم الاجتماعية والأخلاقية الحميدة؟!
وكيف يحدث ذلك بينما الذي يصل للناس منهم هو أخبار الزواج والطلاق والخلافات الأسرية والشائعات وطريقة الملبس الخادشة للحياء والأرقام الفلكية التي يتقاضونها مقابل الظهور في المسلسلات أو الأفلام أو ركل الكرة داخل المستقبل الأخضر.. فهل يصنع شيء من هذا قدوة صالحة؟!
نحن في زمن القدوة العابرة للحدود عبر فضاء إلكتروني متدفق وهادر بسرعة فائقة.. ولعل ما يؤلم أشد الألم هو الطريقة التي يختار بها الشباب المعاصر قدواتهم من بين أناس هذا العالم الذي صار قرية صغيرة بفضل الثورة التكنولوجية.. حتى باتت القدوة لا تقتصرعلى أشخاص بعينهم داخل الوطن بل تجاوزته حتى أنك ربما تجد شبابًا هنا يحاكون نجوم غناء خارج الحدود، ويعشقون لاعبي كرة عالميين من غير بني جلدتهم ودينهم وعرقهم ولغتهم.
والسؤال كيف السبيل للخروج من مأزق القدوة الذي بات يتكرر كثيرًا في الآونة الأخيرة.. وكيف نستعيد القدوة الحسنة لكل زمان ومكان لصناعة جيل واعٍ ومنتج وبناء المواطن الصالح؟!