الاعتذار.. فريضة غائبة!
هل حققنا غاية ربنا من الصيام.. هل صامت الألسنة عن الغيبة والنميمة والصخب والغضب.. هل أصلحنا ما أفسدناه من العلاقات خصوصًا ذوي الأرحام.. هل أخرجنا من أموالنا زكاة الفطر طعمة للمساكين قبل دخول العيد؟! إذا كانت الإجابة بالنفي.. وكثيرا ما تكون كذلك.. فهل لدينا نية حقيقية لإصلاح أنفسنا فيما بقي من رمضان.
وقد يسأل أحدنا: لماذا رمضان بالذات؟! والجواب باختصار لأن رمضان فرصة أو منحة ربانية لا تعوض لمراجعة النفس وتحصيل الخير.. يقول الحسن رضي الله عنه: "إن الله جعل شهر رمضان مِضمارًا (سباقًا) لِخَلْقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون".
ومن رحمة الله تعالى أنه لا يغلق باب التوبة في وجه إنسان ما دام قلبه ينبض بالحياة ولم يدخل في احتضار الموت.. ومن ثم فهناك في كل لحظة فرصة مؤكدة لمراجعة النفس والإصلاح خصوصًا في رمضان؛ أول خطوات الإصلاح: الاعتراف بالخطأ أو الذنب ثم الاعتذار عنه وتلك فضيلة وثقافة نراها في دول متقدمة؛ يفعله المواطن العادي كما يفعله المسئول.. دون أن يجد في ذلك غضاضة، بل يرى ذلك فريضة لتصحيح مسار أي قرار أو سلوك خاطئ.
ثقافة حضارية
الاعتذار يبدو فريضة غائبة عندنا؛ يراها البعض نقيصة لا يصح أن تقترن بشخصه، ويراها البعض كبيرة لا يجوز أن يقترفها في حق ذاته، وآخرون يرونه تنازلًا لمن هم دونهم حتى ولو كانوا أصحاب حق واضح.. وينسى هؤلاء وأولئك أن الرجوع للحق خيرٌ من التمادي في الباطل؟!
الاعتذار ليس ضعفًا ولا استسلامًا بل هو من شيم الكبار والنبلاء وضرورة لازمة لإشاعة التسامح والتعايش ورسول المودة والمحبة وبه تمضي الحياة بلا منغصات ولا عداوات ولا أحقاد ولا ضغائن. إذا أخطأت في حق غيرك فبادره بقولك "أنا آسف"، وسوف تجد ما يسرك، ستجد في نفسه رضا، وعلى وجهه ابتسامة، وفي معاملته لينًا وتراحمًا.. ولن يقلل ذلك من شخصك أبدًا بل تضيف إليك قوة وحبًا لا يقدر بثمن.
ثقافة الاعتذار إذا غابت عن مجتمع فاعلم أن البديل هو الغرور والكبر والاستعلاء والتنافر والخصام؛ فالاعتذار عن الخطأ أقصر الطرق لإصلاح العلاقات خلافًا لما يراه البعض بأنه ضعف ووهن، ودليل انكسار وهزيمة؛ فالله تعالى لا يقبل توبة من عبده إلا إذا أقر بالذنب أولا ثم ندم عليه ثانيًا ثم عزم عزمًا أكيدًا صادقًا أنه لن يعود إليه مرة أخرى، وأخيرًا يرد الحقوق لأصحابها إذا ارتكب مظلمة في حق أخيه واستسمحه في ذلك.. فهل يليق أن يضن أحدنا بالاعتذار بعد كل ذلك.. وكيف يقبل الله توبته إذا اطلع على ما يخفيه قلبه من استكبار وتعالٍ؟!
الاعتذار النبيل ثقافة حضارية تحرص الأمم الحية على غرسها في نفوس صغارها منذ نعومة أظفارهم إلى حد جعلهم يقرنون الصفح عمن يخطيء أو تخفيف عقوبته رهنًا بتقديم اعتذاره، وعندما تخطيء النخب في هذه المجتمعات فأول المطالب هو دعوة المخطيء للاعتذار عن خطئه في حق الدولة والمجتمع وحتى الأفراد..
والاعتذار هنا ليس كلمة تقال في زحام الكلام، ولا تبريرًا للخطأ والبحث عن مخرج من ورطة بل هو اقتناع تام بأن خطأ وقع ووجب الاعتذار عنه، وتصحيحه في الحال، وليس معنى أن تعتذر أنك سييء بل العكس إنك جيد ومرن ولديك رغبة حقيقية ونية صادقة في الإصلاح.. الاعتذار بلسم يشفي كثيرًا من الجروح ويمنع تطور الخصومة إلى جفاء وعداوة وبغضاء.