رسائل الإمام الأكبر
يا علماءنا ومثقفينا.. ابدءوا بخفض تكاليف زواج أبنائكم!
يواصل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في برنامجه الرمضاني الإمام الطيب إنارة مناطق مظلمة حياتنا بتشخيص أمراض عصرنا ووضع حلول فقهية تناسبها؛ وها هو يشتبك برؤية فقهية مع إشكالية غلاء المهور التي جعلت الزواج في زماننا أمرًا بالغ الصعوبة؛ بعد أن انحرف المجتمع بها عن غايتها من مجرد رمز أو هدية يقدِّمها الزوج لزوجته، تعبيرًا عن رغبته الصَّادقة في الارتباط بها والحياة معها إلى المبالغة والمغالاة فيها.
صحيح أن المهر حق شرعي خالص للزوجة لا يشاركها فيه أحد، لكنه لا يعدو كونه هدية يسبقها الوعد بالوفاء، وليس- كما يفهم البعض خطأ- ثمنًا ولا عوضًا مقابلًا لأي أمر من أمور هذه العلاقة الخطيرة التي يحكمها ميثاق غليظ أجَلُّ وأشرف من أن تتحوَّل معه إلى بضاعة تُباع وتُشترى.
غلاء المهور وتكاليف الزواج وما يرتبط بها من إسراف في التجهيزات والحفلات ترتب عليها ظواهر أخرى انعكسَت سلبًا على مجتمعاتنا المسلمة، وهى العنوسة، والعزوبة التي يُعاني الشَّباب بسببها ضغوطًا نفسيَّةً هائلةً تؤثر سَلبًا على التوازن النفسي اللازم لبناء المجتمعات وتقدّمها.
حل مشكلة غلاء المهور
تعقدت مسألة الزواج أيضًا نتيجة تفسير الكفاءة بين الزوجين تفسيرًا يصدم أبجديَّات هذا الدِّين الذي أرسى لأوَّل مرَّة في تاريخ الإنسانيَّة مبدأ المساواة بين النَّاس وينسى الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم ما إن ظهر وصرخ صَرخته الأولى في التاريخ: «النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمِشْطِ»، وقد قال ذلك ليهدم الطبقية، ويدمر القبلية، ويُطيح بالعنصرية، ويرجع بميزان التفاضل بين المتساوين إلى الفضائل والأعمال، والميزات السلوكية في خاصة الفرد ذاته، بقطع النظر عن أُسرته ومولده..
ثم حدد معيار الكفاءة في الزواج فقال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا جاءكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كبير»، ثم يضعنا الإمام الطيب في مواجهة حقيقة مؤلمة وهى أن فقه النبوة –في هذه القضيَة الخطيرة- توارى كثير منه خلف ضباب كثيف من مواريث الجاهلية.
ثم يضع شيخ الأزهر أيدينا على حل مشكلة غلاء المهور؛ وذلك بتيسير الزواج وعودته لصورتِه البسيطة التي حث عليها الإسلام، وتخليصها من أثقال العادات والتقاليد، فإذا كنا نُنادي اليوم بضرورة تجديد الخطاب الديني فإن أول خطاب يجب البدء بتجديده وإعادة إنتاجه هو قضية ظاهرة العنوسة، ولا يتحقق شيء من هذا إلا إذا تصدر العلماء المخلصون لدينهم، ومعهم المثقفون المهمومون بمشكلات البلد، ليضربوا المثل الحي في التقليل من كلفة الزواج بأبنائهم وبناتهم..
ثم منع مظاهر السفَه في الأفراح في الفنادق والنوادي وبثها في وسائل الإعلام منعًا حاسمًا لا استثناء فيه لأحد، وأن يتجِه المستثمرون والأجهزة المعنية بالشباب إلى بناءِ وحْداتٍ سكنيةٍ تتَسِع لزوج وزوجة وطفل أو طفلين على الأكثر، وأن تسدَد أسعارها على أقساطٍ مُناسبةٍ لدخل الشاب وأعبائه المعيشية وظروف حياة أُسرته الصغيرة..هذه طروحات عملية مستنيرة تحقق مقاصد الشرع وتفضي إلى حل مشكلات اجتماعية عويصة بطريقة سلسة يمكنها أن تحقق النفع العام إذا صدقت النوايا وجدّت العزائم والهمم.. فهل من مجيب لدعوة الإمام الأكبر؟!