خدعة صراع الهوية (2)
تحدثنا في المقال السابق عن بداية الحرب على الإسلام، والمراحل التي سارت في أفلاكها تلك الحرب، فكانت هناك مراحل بعضها تزامن، والآخر كان منفصلا حتى وصلنا إلى المرحلة الحالية، وهي التي تُعد المرحلة الأخبث استراتيجية، عن كل ما سبق من مراحل أعدها أعداء الدين، وهي في رأيي أنها تُعد أهم، وأخطر، وأقذر مراحل تلك الحرب، التي لن تنتهي حتى يرث الله الأرض، ومن عليها.
تلك المرحلة التي سميتها خدعة صراع الهوية والتي حولها، وباسمها بدأت هذه السلسلة من المقالات، حتى يعلم الجميع مخاطر تلك الخدعة، وتكون الحقائق واضحة جلية، لكل من ألقى السمع، وهو شهيد، وحتى أُبرئ ذمتي أمام الله سبحانه وتعالى.
ما هي خدعة صراع الهوية؟!
بعدما تيقن أعداء الدين أن المواجهة المباشرة مع المسلمين لن تُجدي نفعًا، ولن تحقق الهدف المرجو في الوقت المناسب، لجأوا إلى خدعة صراع الهوية، والتي تقوم فكرتها الخبيثة على سلخ البلاد العربية، والإسلامية من هويتها.
السؤال المنطقي الذي سيتبادر إلى الذهن هو.. ما العائد الذي سيجنيه أعداء الإسلام، إذا انسلخت الشعوب الإسلامية عن هويتها العربية؟!
الشيء الذي يعني أعداء الدين، في المقام الأول، هو انسلاخ المسلمين عن دينهم، فيتفرق جمعهم، وتتشتت وحدتهم، وبالتبعية ستتلاشى هوية العروبة، فهم يعلمون جيدًا أن قوة العرب في تمسكهم بدينهم، الذي جمعهم بعدما كانوا قبائل مشتتة هنا، وهناك..
لأن الدين هو الذي وحّد الأمة، ووحد اللغة، ومحى الحدود بين الدول، ولهذا كانت اتفاقية سايكس بيكو، والتي بسببها تم تقسيم المنطقة العربية إلى عدة دول، ولذا كان حتميًا أن يكون المدخل، للخدعة هي الهوية العربية نفسها، فكان لابد من ضرب الهوية، واللغة العربية في الصميم، وهو ما بدأ تنفيذه على أرض الواقع..
وبالفعل خرجت أصوات تفح في آذان الناس كفحيح الأفاعي، أن العديد من الدول العربية، لم تكن عربية في الأصل، وكذلك لغاتهم، وبالطبع لأن مصر هي محور، ودرة الشرق الأوسط بل والعالم بأسره، كان له النصيب الأكبر من تلك الحرب، فشئنا أم أبينا مصر هي أهم دولة، في العالم بأسره، ولو نهضت مصر فستنهض معها الأمة العربية بالكامل، دون استثناء..
ولكل هذا فكان من الطبيعي أن تكون مصر، هي أرض معركة ذلك الصراع، والذي بدأ بشيئين يتم الترويج لهما مواقع التواصل الاجتماعي الأول أن مصر لم تكن دولة عربية، والثاني أن لغتها ليست هي اللغة العربية، وبناء على ذلك فلابد أن تنسلخ مصر عن الأمة العربية، ولابد أن تعود أيضًا إلى لغتها القبطية..
الدين الإبراهيمي
وبالمناسبة حتى لا يختلط الأمر على البعض، فكلمة قبط لا ترمز للدين المسيحي بأي صلة فهي كلمة مشتقة من الاسم اللاتيني لمصر إجبتوس Aegyptus المشتق بدوره من اللفظ اليوناني ايجيبتوس Αίγυπτος، وهو الاسم الذي أطلقه اليونانيون على أرض، وشعب مصر، ويفسّر البعض ذلك الاسم على أنه مشتق من حاكبتاح الهيروغليفية، وهي أرض روح الإله بتاح، وهو إله العاصمة القديمة منف.
وكذا الحال بالنسبة لدول شمال إفريقيا، فقد خرجت أيضًا أصوات مشابهة، تطالب بنبذ اللغة العربية، وضرورة العودة من جديد للغة الأمازيغية، تزامن كل هذا بالحديث المعسول، والمسموم عن ما يُسمى بالدين الإبراهيمي، تلك البدعة الصهيونية التي يروجون لها، والتي لا تهدف إلا لمحاربة الدين، وهدم المجتمعات العربية، ويتلى فيه قول الله عز وجل: "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ".
كما ترى عزيزي القارئ الكريم، أن خدعة صراع الهوية قد دُبرت بإحكام، وتسير في خط زمني مواز لأكذوبة ما يُسمى بالدين الإبراهيمي لكن قد يقول قائل أنه من الصعب بل ومن المستحيل أن تنسلخ مصر والدول العربية عن الهوية العربية، وأن تندثر اللغة العربية في مصر، وتحل محلها اللغة القبطية، أو الهيروغليفية من جديد، أو تحل اللغة الأمازيغية، محل اللغة العربية بدول شمال إفريقيا..
وهنا أقول أن من يضع تلك الخطط الشيطانية، يعلم أنها خطط بعيدة المدى، فهو يعلم جيدًا أن ما يخطط له بالطبع لن يتم بين ليلة وضحاها، ولكن لمن يستبعد حدوث ذلك أقول له: من كان يُمكن أن يتخيل أن تُسن في يوم من الأيام؛ قوانين تبيح زواج المثليين، وأن نجد منظمات دولية تدافع عن ما يقولون عنه أنه حقوقهم؟ من كان يتخيل أنه سيجد في يوم من الأيام، صفحات، ومجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو لتبادل الزوجات؟! من كان يظن أننا سنجد نساء تدافع وتؤيد ما يُسمى بالمساكنة؟!
كل تلك القبائح، والرذائل بدأت بفكرة تم نشرها تحت مسميات التحضر والتقدم وكل تلك الأفكار المنحطة، أخذت تتعاظم ككرة الثلج، حتى أصبح وجودها على أرض الواقع واضحًا جليًا، ولهذا أقول لمن يعتقد أن ما ذكرته، هو أمر مستحيل الحدوث.. إن ما تظنه مستحيلًا اليوم، قد تراه ماثلًا أمام عينيك غدًا، فلا تستهن..
عليك أن تدرك الخطر بات محدقًا بك، وبأسرتك، ومجتمعك، وأن تستعد لذلك، حتى لا ينجح ذلك المخطط الشيطاني، وسنوضح في المقال القادم بإذن الله تعالى بقية خفايا، وخبايا خدعة صراع الهوية، وبخاصة في مصر.