رئيس التحرير
عصام كامل

خدعة صراع الهوية؟

ما من حرب تقوم إلا ولها أسباب ومقدمات، وتأخذ العديد من مراحل الصراع.. فهي لا تسير على وتيرة واحدة، وما إن سطعت شمس الدعوة الإسلامية، في آفاق الدنيا حتى بدأت الحرب عليها منذ فجر الإسلام إلى هذه اللحظة؛ لأسباب كلها معروفة، وواضحة للجميع وضوح الشمس، صدَّق من صدَّق، وأنكر من أنكر، فهذا أمر لا يعنينا من قريب، أو من بعيد.


ولكن تنوعت وتطورت أساليب الحرب على الإسلام منذ ظهوره، فتارة تأخذ شكل الدسائس والمكائد، وتارة أخرى بالقتال المباشر، والغالبية جمعت بين كل ذلك، إلى أن وصلت إلى مستوى أخبث وأكثر حقارة، وأشد تأثيرًا من المواجهات المباشرة، والتي وجد أعداء الإسلام، أنها لا تُجدي نفعًا، بالإضافة للخسائر البشرية، والاقتصادية التي تلحق بهم، مع افتقارهم إلى قوة وثبات العقيدة التي يتمتع بها الغالب الأعم من المسلمين.. 

 

ولهذا فقد قرر أعداء الإسلام منذ عدة عقود، نقل معركتهم معه من ساحات القتال، إلى ساحات أخطر، وأكثر تأثيرًا، وأقل خسارة، والتي تكاد تنحسر في الجانب المادي فقط، إذا ما سلمنا أن خسارة بعض من أوراق العملات المطبوعة، خسارة حقيقة، إذا ما قورنت بالمكاسب التي ستتحقق، إذا نجح ذلك المخطط الشيطاني.


 

مراحل المخطط الشيطاني  

السؤال البديهي الآن.. ما هو ذلك المخطط الشيطاني، الذي تم وضعه بإحكام شديد، وما هي مراحله؟
بعدما أدرك أعداء الإسلام، أن خسارتهم ستكون فادحة، في أي مواجهة مباشرة مع المسلمين حتى لو كسبوا بعض المعارك، كما ذكرت سلفًا، فقرروا أن تكون الحرب حرب فكرية وثقافية وعلمية لا أن تكون حرب بالمعنى المفهوم، وذلك ما تم التخطيط له، وبدأ تنفيذه منذ أكثر من قرن من الزمان.


إن أعداء الإسلام فطنوا إلى أن قوة المسلمين، في متانة عقيدتهم، وحبهم غير العادي لنبيهم، والذي وجدوا أنه نوع من الحب لم يسبق لبشر، أن نال مثله منذ بِدء الخليقة، إلى يوم البعث، وبعدما تيقنوا من تمسك المسلمين بتعاليم دينهم، وأخلاقه الرفيعة، وأن العقيدة الإسلامية هي عقيدة متكاملة، وقوية راسخة.. لكل ذلك كان لا بد من التعامل مع أولئك المسلمون بخبث، ودهاء لا نظير لهما، فبعدما كان العداء واضحًا جليًا، أصبح مستترًا خفيًا.


بدأت تلك الحرب بإظهار الاحترام، والتقدير للعقيدة الإسلامية، بل والثناء عليها، وفي الوقت نفسه تم إطلاق العديد من الأفكار والتوجهات الفكرية والثقافية على ألسنة وأقلام العديد من المأجورين والمؤيدين، والمنتفعين من تلك الحرب المستترة على الإسلام.


وقد بدأت الجولة الأولى بشكل محترف، لا يدل على أنها موجهة للإسلام، والمسلمين من قريب، أو من بعيد، وذلك بإطلاق  مجموعة من الأفكار، والرؤى الجديدة لم تكن المجتمعات العربية، والإسلامية قد خاضت مضمارها بعد، بدءًا من دعوة المجتمعات للتحرر، وبث نظريات من شأنها التأثير في العقائد الإسلامية، بغرض إحداث خلخلة وتصدع في هيكل العقيدة داخل النفوس.


وبالفعل ظهر العديد من الكتاب، والمفكرين الذين تبنوا نشر ذلك الفكر، منذ ذلك الوقت حتى الآن، والذي تضمن العديد من النظريات، والأفكار الهدامة مثل.. نظرية التطور والتحرر والتحلل والإلحاد، واستقلالية الفرد، وقوامة المرأة على الرجل، والمؤانسة (أن تعيش المرأة مع الرجل دون زواج)، والمثلية، وما يسمى بالدين الإبراهيمي، الذي تدعمه مراكز الدبلوماسية الروحية حول العالم..

 

وغيرها من الأفكار التي لا هدف لها، إلا محاربة صحيح الدين، وهدم الأخلاق فتتفسخ المجتمعات، وتتهاوى وتصبح لقمة سائغة في فم الماسونية العالمية.


جاءت بعد ذلك مرحلة أخرى، وهي المرحلة التي أسميتها (بيدك لا بيدي) هذه المرحلة كان التوجه فيها لمحاربة الدين من داخله، أي على يد أبنائه، وتلك المرحلة قادتها إنجلترا التي كانت تتحكم في العالم في ذلك الوقت، فقامت بتحريف بعض مفاهيم، ومقاصد الشريعة الإسلامية، على يد من تم شراء ذممهم، أو غسل أدمغتهم، أو استأجرتهم، أو كانوا أصحاب منافع، ومصالح سياسية، فخرجوا بفتاوى، وأفكار، ومفاهيم لا تَمُت للدين بصلة..

 

وظهروا في أشكال متعددة منها ما هو عصري، ومنها ما هو ديني كمظاهر الجلابيب، واللحى كمظهر حتمي لإكمال الصورة، ولنفاذ الغرض، ولإحباك المؤامرة، فاختلطت المفاهيم على بعض الناس، وغُمست أياد خسيسة في دماء بريئة ذكية، لم ترتكب ذنب، ولا جريرة، وهدمت دور العبادة..

 

وتلك نقطة غاية في الأهمية، وثمينة للغاية، فمن خلال ذلك حاولوا أكثر من مرة، إشعال نيران الفتن بين أبناء الوطن الواحد، بغرض إحداث الفُرقة، في المجتمعات المؤهلة لذلك، وحتى تدخل تلك المجتمعات في دائرة، لا نهائية من الصراع، وبحار الدم الحرام. وبدأت مؤخرًا مرحلة جديدة من سلسلة، لا تنتهي من تلك الحرب القذرة، وهي المرحلة التي أطلقت عليها اسم خدعة صراع الهوية.
والتي سنتكلم عنها باستفاضة واسعة، في مقالات قادمة..

الجريدة الرسمية