وماذا فعلنا نحن؟
باتت الشكوى هي حال الجميع بلا استثناء من جراء ارتفاع الأسعار غير المسبوق، والذي لم يعرف المصريون له مثيل من قبل في العصر الحديث.. تجمعت على كاهل الشعب المصري، كل أسباب الغلاء، والتي لم تترك سلعة تقريبًا إلا ونالت منها نيلًا شديدًا، فمع تفاقم الأوضاع الاقتصادية في العالم جراء الحرب الروسية الأوكرانية، والتي لم تمهل العالم فرصة التقاط الأنفاس بعد جائحة كورونا التي اجتاحت العالم كله بلا استثناء، ولم يكن أداء الحكومة هو الأداء الأمثل..
ليس في التعامل مع الأزمة فحسب، بل في توقعها، واستشراف ما قد يحدث في المستقبل من أزمات، حتى تضع لها حلول مُسبقة لأي سيناريوهات محتملة الحدوث مستقبلًا، بعكس الدول الكبرى، التي تجيد ذلك، وللأسف هذا أحد أخطر عيوب الحكومات المصرية، منذ زمن بعيد.
وكان من أبسط وأهم الاستعدادات التي كان يجب على الحكومة أن تتخذها لمواجهة تلك الأزمة، هو تأمين حاجة مصر، من كافة السلع الاستراتيجية، وخاصة القمح ليس لشهرين، أو ثلاثة فقط، أو حتى ستة أشهر بل لأكثر من عام على الأقل، مع توفير مبالغ ضخمة من العملة الصعبة، وذلك ما كان يجب عليه العمل منذ وقت بعيد..
وأقصد بتوافر القمح ليس بالاستيراد فحسب، بل إنتاجيًا، وإنني لأعجب أن دولة بحجم مصر، تاريخا ومكانا، لم تستطع حتى الآن أن تتمتع بالاكتفاء الذاتي من القمح، الذي يُعد أهم سلعة استراتيجية لها!
جشع التجار
أيضًا من أهم وأخطر أسباب تفشي الغلاء في كافة السلع بالأسواق المصرية.. هو جشع وطمع التجار المنقطع النظير، وهنا يجب أن تكون لنا وقفة، فما من تاجر إلا من رحم ربي، وكان يتقي الله في تعامله مع المستهلك، إلا يبتغي تحقيق أكبر قدر من الربح، مهما كان الثمن، ولا تسمع إلا رد واحد.. الحرب الروسية الأوكرانية!
والعجيب أنك تسمع هذا الرد بخصوص سلع، لا علاقة لها بتداعيات تلك الحرب، مثل الخضروات كالخس، والجرجير، والطماطم، والخيار، وأيضا الأسماك، فهل تتخيل عزيزي القارئ الكريم، أن سعر كيلو سمك البلطي، وصل سعره لأكثر من 70 جنيهًا! فما بال بقية الأنواع، وكيف يحدث ذلك الارتفاع الرهيب، ونحن عندنا بحرين أبيض، وأحمر، ونهر النيل وبحيرتي ناصر، والبردويل بالإضافة أننا نمتلك عدد كبير من مزارع الأسماك، وعندنا أكبر مزارع للأسماك مثل مزرعة غليون على سبيل المثال.
والأعجب أن الحكومة في سبيلها، لاستيراد الأسماك من روسيا، لأن أسعار الأسماك مرتفعة عندنا بسبب الحرب، بينما منخفضة في روسيا التي تخوض الحرب! أيضًا ما حدث من تدهور رهيب في قطاع الدواجن؛ بسبب عدم الإفراج عن شحنات الأعلاف المستوردة، ولن أناقش هذا الأمر من زاوية الاستيراد، والعملة، وخلافه بل سأقول كيف لم تُفطن الحكومة إلى ضرورة التوسع في مصانع الأعلاف، وزيادة الرقعة الزراعية لخدمة تلك المصانع خاصة، وأننا قبل عدة أشهر كان لدينا اكتفاء ذاتي؛ في الدواجن والبيض.
ثقافة المقاطعة
فماذا سيفعل الناس مع ذلك الغلاء، خاصة مع اقتراب شهر رمضان المبارك، للأسف عندما فتحنا القوس تحت شعار (بلاها) في إشارة إلى ترك سلعة ما، ظننا أننا سنغلقه سريعًا، لكن بعد تواجد كل من اللحمة، والفراخ، والبيض، والأجبان، والسمن، والأرز، والمكرونة، والزيوت، والألبان أصبح الأمل في غلق ذلك القوس معدوم.
لكن برغم من كل ذلك هناك سبب آخر، لا يقل أهمية عن كل ما سبق، وهو المواطن نفسه، وتعامله الغريب مع تلك الأزمة، ومع جشع التجار.. الناس لا تريد أن تبذل أي جهد، لمواجهة جشع التجار. للأسف نحن لا نجيد ثقافة المقاطعة.. نعم هناك كثير من الناس، تقاطع بعض السلع لكن ذلك ليس عن ثقافة المقاطعة، بل لأنهم لا يستطيعون شراء تلك السلع فقط لا غير.
نعم نحن نجيد وضع أخطأنا، ومشاكلنا على شماعات الأعذار والظروف، وأي أسباب أخرى نجدها ملائمة لأن تكون شماعة لأخطائنا، لكن لا نُجيد مواجهة تلك المشاكل، والعمل على إيجاد حلول لها، على قدر ما نستطيع منتظرين الفرج من السماء، ونسينا أن الله لا يُغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإلى متى سنظل نشكو من ارتفاع أسعار السلع، ولا نقاطعها، أو على الأقل نقاطع سلعة، أو اثنين يكون لهما تأثير على باقي السلع الأخرى.
لي صديق عزيز مسيحي، قال لي: لماذا لا يقاطع المسلمون اللحوم، والدواجن، والأسماك أثناء فترة صيام الأخوة المسيحيين التي بدأت، والتي لا يتناولون فيها أي نوع من اللحوم والأسماك، أو الأجبان، أو البيض، واللبن؟ وبذلك لن يجد التجار من يشتري منهم..
وحقيقة وجدت أن اقتراحه وجيه جدًا جدًا، وبدأت بتنفيذه على نفسي أولًا، وقررت مقاطعة كل تلك السلع، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، فما الذي سيحدث لو قاطعنا تلك السلع لشهر، أو شهرين؟!
ومن قبل قد أشار السيد الرئيس، بضرورة مقاطعة السلع ذات السعر المرتفع، حتى نجبر التجار على تخفيض أسعارها، هل يُعقل أن سعر البيضة وصل ل 5 جنيهات، والكتكوت تجاوز سعره سعر الدولار، وكيلو اللحمة تجاوز ال 260 جنيه، وعلبة السمن ب 500 جنيه.
دعونا نجبر أولئك التجار الجشعين، أن يخفضوا الأسعار، دعونا نقضي على جشعهم الذي لا ينتهي، دعونا ولو لمرة واحدة نأخذ موقف إيجابي متحضر، ونترك شماعة الاستسهال، والأعذار.. دعونا نتعلم ثقافة المقاطعة، مثل الشعوب المتحضرة، أم أننا لا نقلد الغرب فقط إلا فيما لا ينفع.. لا حل بيد المواطنين للقضاء على غلاء الأسعار، إلا المقاطعة، ولا بديل عن ذلك.. وقبل أن نشكو علينا أن نسأل أنفسنا.. ماذا فعلنا نحن؟
ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد..